والمحسنين : عام يندرج فيه من تقدم، أو وضع موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين كأنه قيل : لا يضيع أجرهم. وآثرك : فضلك بالملك، أو بالصبر، والعلم قالهما ابن عباس، أو بالحلم والصفح ذكره أبو سليمان الدمشقي، أو بحسن الخلق والخلق، والعلم، والحلم، والإحسان، والملك، والسلطان، وبصبرك على أذاناً قاله : صاحب الغنيان. أو بالتقوى، والصبر وسيرة المحسنين قاله : الزمخشري، وهو مناسب لقوله :﴿إِنَّه مَن يَتَّقِ﴾ الآية وخطابهم إياه بذلك استنزال لإحسانه، واعتراف بما صدر منهم في حقه. وخاطئين : من خطىء إذا تعمد. وأما أخطأ فقد الصواب ولم يوفق له. ولا تثريب : لا لوم ولا عقوبة. وتثريب اسم لا، وعليكم الخبر، واليوم منصوب بالعامل في الخبر أي : لا تثريب مستقر عليكم اليوم. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : بم تعلق اليوم ؟ (قلت) : بالتثريب، أو بالمقدر في عليكم من معنى الاستقرار، أو بيغفر. والمعنى : لا أثربكم اليوم، وهذا اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام. ثم ابتدأ فقال : يغفر الله لكم، قد عالهم بمغفرة ما فرط منهم. يقال : غفر الله لك، ويغفر الله لك على لفظ الماضي والمضارع جميعاً، ومنه قول المشمت : يهديكم الله ويصلح بالكم. أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل الغفران، لما تجدد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم انتهى. أما قوله : إن اليوم يتعلق بالتثريب، فهذا لا يجوز، لأنّ التثريب مصدر، وقد فصل بينه وبين معموله بقوله : عليكم. إما أن يكون خبراً، أو صفة لتثريب، ولا يجوز الفصل بينهما، لأنّ معمول المصدر من تمامه. وأيضاً لو كان اليوم متعلقاً بتثريب لم يجز بناؤه، وكان يكون من قبيل المشبه بالمضاف، وهو الذي يسمى المطول، ويسمى الممطول، فكان يكون معرباً منوناً. وأما تقديره الثاني فتقدير حسن، ولذلك وقف على قوله اليوم أكثر القراء. وابتدأوا بيغفر الله لكم على جهة الدعاء، وهو تأويل ابن إسحاق والطبري. وأما تقديره الثالث وهو أن يكون اليوم متعلقاً بيغفر فمقبول، وقد وقف بعض القراء على عليكم، وابتدأ اليوم يغفر الله لكم. قال ابن عطية : والوقف على اليوم أرجح في المعنى، لأنّ الآخر فيه حكم على مغفرة الله اللهم، إلا أن يكون ذلك بوحي. وأما قوله : فبشارة إلى آخره، فعلى طريقة المعتزلة، فإنّ الغفران لا يكون إلا لمن تاب. قال ابن الأنباري : إنما أشار إلى ذلك اليوم لأنه أول أوقات العفو، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة، . وأجاز الحوفي أن يكون عليكم في موضع الضفة لتثريب، ويكون الخبر اليوم، وهو وجه حسن. وقيل : عليكم بيان كذلك في قولهم :
٣٤٣
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٩
سقياً لك، فيتعلق بمحذوف. ونصوا على أنه لا يجوز أن يتعلق عليكم بتثريب، لأنه كان يعرب، فيكون منوناً لأنه يصير من باب المشبه بالمضاف. ولو قيل : إن الخبر محذوف، وعليكم متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب، وذلك المحذوف هو العامل في اليوم وتقديره : لا تثريب عليكم اليوم، كما قدروا في ﴿لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي : يعصم اليوم، لكان وجهاً قوياً، لأنّ خبر لا إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز، ولم يلفظ به بنو تميم. ولما دعا لهم بالمغفرة أخبر عن الله بالصفة التي هي سبب الغفران، وهو أنه تعالى أرحم الرحماء، فهو يرجو منه قبول دعائه لعم بالمغفرة.
والباء في بقميصي الظاهر أنها للحال أي : مصحوبين أو ملتبسين به. وقيل : للتعدية أي : اذهبوا قميصي، أي احملوا قميصي. قيل : هو القميص الذي توارثه يوسف وكان في عنقه، وكان من الجنة، أمره جبريل عليه السلام أنْ يرسله إليه فإن فيه ريح الجنة، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي. وقيل : كان لابراهيم كساه الله إياه من الجنة حين خرج من النار، ثم لإسحاق، ثم ليعقوب، ثم ليوسف. وقيل : هو القميص الذي قدّ من دبر، أرسله ليعلم يعقوب أنه عصم من الفاحشة. والظهر أنه قميص من ملبوس يوسف بمنزلة قميص كل واحد، قال ذلك : ابن عطية. وهكذا تتبين الغرابة في أنْوجد يعقوب ريحه من بعد، ولو كان من قمص الجنة ما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد. وقوله : فألقوه على وجه أبيّ يأت بصيراً، يدل على أنه علم أنه عمى من الحزن، إما بإعلامهم، وإما بوحي. وقوله : يأت بصيراً، يظهر أنه بوحي. وأهلوه الذين أمر بأن يؤتي بهم سبعون، أو ثمانون، أو ثلاثة وتسعون، أو ستة وتسعون، أقوال أولها للكلبي وثالثها المسروق. وفي واحد من هذا العدد حلواً بمصر ونمواً حتى خرج من ذريتهم مع موسى عليه السلام ستمائة ألف. ومعنى : يأت، يأتيني، وانتصب بصيراً على الحال.