﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّى لاجِدُ رِيحَ يُوسُفَا لَوْلا أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَـالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَـاهُ عَلَى وَجْهِهِا فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا﴾ : فصل من البلد يفصل فضولاً انفصل منه وجاوز حيطانه، وهو لازم.
٣٤٤
وفصل الشيء فصلاً فرق، وهو متعد. ومعنى فصلت العير : انفصلت من عريش مصر قاصدة مكان يعقوب، وكان قريباً من بيت المقدس. وقيل : بالجزيرة، وبيت المقدس هو الصحيح، لأنّ آثارهم وقبورهم هناك إلى الآن. وقرأ ابن عباس : ولما انفصل العير، قال ابن عباس : وجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام، هاجت ريح فحملت عرفه. وقال الحسن وابن جريج : من ثمانين فرسخاً، وكان مدة فراقه منه سبعاً وسبعين سنة. وعن الحسن أيضاً : وجده من مسيرة ثلاثين يوماً، وعنه : مسيرة عشر ليال. وعن أبي أيوب المهروي : أن الريح استأذنت في إيصال عرف يوسف إلى يعقوب، فأذن لها في ذلك. وقال مجاهد : صفقت الريح القميص فراحت روائح الجنة في الدنيا، واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص. ومعنى لأجد : لأشم فهو وجود حاسة الشم. وقال الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٩
وإني لأستشفي بكل غمامةيهب بها من نحو أرضك ريح
ومعنى تفندون قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة : تسفهون. وعن ابن عباس أيضاً : تجهلون، وعنه أيضاً : تضعفون. وقال عطاء وابن جبير : تكذبون. وقال الحسن : تهرمون. وقال ابن زيد، والضحاك ومجاهد أيضاً : تقولون ذهب عقلك وخرفت. وقال أبو عمرو : تقبحون. وقال الكسائي : تعجزون. وقال أبو عبيدة : تضللون. وقيل : تخطئون. وهذه كلها متقاربة في المعنى، وهي راجعة لاعتقاد فساد رأي المفند إما لجهله، أو لهوى غالب عليه، أو لكذبه، أو لضعفه وعجزه لذهاب عقله بهرمه. وقال منذر بن سعيد البلوطي : يقال شيج مفند أي : قد فسر رأيه، ولا يقال : عجوز مفندة، لأن المرأة لم يكن لها رأي قط أصيل فيدخله التفنيد. وقال معناه الزمخشري قال : التفنيد النسبة إلى الفند وهو الخوف وإنكارالعقل، من هرم يقال : شيخ مفند، ولا يقال عجوز مفندة، لأنها لم تكن في شبيبتها ذات رأي فنفند في كبرها، ولولا هنا حرف امتناع لوجود، وجوابها محذوف. قال الزمخشري : المعنى لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني انتهى. وقد يقال : تقديره لولا أن تفندوني لأخبرتكم بكونه حياً لم يمت، لأن وجداني ريحه دال على حياته. والمخاطب بقوله : تفندون، الظاهر من تناسق الضمائر أنه عائد على من كان بقي عنده من أولاده غير الذين راحوا يمتارون، إذ كان أولاده جماعة. وقيل : المخاطب ولد ولده ومن كان بحضرته من قرابته. والضلال هنا لا يراد به ضد الهدى والرّشاد، قال ابن عباس : المعنى إنك لفي خطئك، وكان حزن يعقوب قد تجدد بقصة بنيامين، ولذلك يقال له : ذو الحزنين. وقال مقاتل : الشقاء والعناء. وقال ابن جبير : الجنون، ويعني والله أعلم غلبة المحبة. وقيل : الهلاك والذهاب من قولهم : ضل الماء في اللبن أي : ذهب فيه. وقيل : الحب، ويطلق الضلال على المحبة. وقال ابن عطية : ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به، وقد تأوله بعض الناس على ذلك، ولهذا قال قتادة : قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبي الله صلى الله عليه وسلّم. وقال الزمخشري : لفي ذهابك عن الصواب قدماً في إفراط محبتك ليوسف، ولهجك بذكره، ورجاءك لقاءه، وكان عندهم أنه قد مات. روي عن ابن عباس أنّ البشير كان يهوذا، لأنه كان جاء بقميص الدم. وقال أبو الفضل الجوهري : قال يهوذا لإخوته : قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص القرحة، فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة فتركوه، وقال هذا المعنى : السدي. وأن تطرد زيادتها بعد لما، والضمير المستكن في ألقاه عائد على البشير، وهو الظاهر، هو لقوله : فألقوه. وقيل : يعود على يعقوب، والظاهر أنه أريد الوجه كله كما جرت العادة أنه متى وجد الإنسان شيئاً يعتقد فيه البركة مسح به وجهه. وقيل : عبر بالوجه عن العينين
٣٤٥
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٩


الصفحة التالية
Icon