وقيل : السجود هنا التواضع، والخرور بمعنى المرور لا السقوط على الأرض لقوله :﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بآيات رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ أي لم يمروا عليها. وقال ثابت : هذا تأويل رؤياي من قبل أي : سجودكم هذا تأويل، أي : عاقبة رؤياي أنّ تلك الكواكب والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين : ومن قبل متعلق برؤياي، والمحذوف في من قبل تقديره : من قبل هذه الكوائن والحوادث التي جرت بعد رؤياي. ومن تأول أنّ أبويه لم يسجدا له زعم أن تعبير الرؤيا لا يلزم أن يكون مطابقاً للرؤيا من كل الوجوه، فسجود الكواكب والشمس والقمر يعبر بتعظيم الأكابر من الناس. ولا شك أن ذهاب يعقوب عليه السلام مع ولده من كنعان إلى مصر لأجل يوسف نهاية في التعظيم له، فكفى هذا القدر في صحة الرؤيا وعن ابن عباس : أنه لما رأى سجود أبويه وأخوته هاله ذلك واقشعر جلده منه. وقال ليعقوب : هذا تأويل رؤياي من قبل، ثم ابتدأ يوسف عليه السلام بتعديد نعم الله عليه فقال : قد جعلها ربي حقاً أي : صادقة، رأيت ما يقع في في المنام يقظة، لا باطل فيها ولا لغو. وفي المدة التي كانت بين رؤياه وسجودهم خلاف متناقض. قيل : ثمانون سنة، وقيل : ثمانية عشر عاماً. وقيل : غير ذلك من رتب العدد. وكذا المدة التي أقام يعقوب فيها بمصر عند ابنه يوسف خلاف متناقض، وأحسن أصله أن يتعدى بإلى قال :﴿وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ وقد يتعدى بالباء قال تعالى :﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَـانًا ﴾ كما يقال أساء إليه، وبه قال الشاعر :
٣٤٨
أسيء بنا أو أحسني لا ملومةلدينا ولا مقلية إن تقلت
وقد يكون ضمن أحسن معنى لطف، فعداه بالباء، وذكر إخراجه من السجن وعدل عن إخراجه من الجب صفحاً عن ذكر ما تعلق بقول إخوته، وتناسياً لما جرى منهم إذ قال :﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ وتنبيهاً على طهارة نفسه، وبراءتها مما نسب إليه من المراودة. وعلى ما تنقل إليه من الرياسة في الدنيا بعد خروجه من السجن بخلاف ما تنقل إليه بالخروج من الجب، إلى أن بيع مع العبيد، وجاء بكم من البدو من البادية. وكان ينزل يعقوب عليه السلام بأطراف الشام ببادية فلسطين، كان رب إبل وغنم وبادية. وقال الزمخشري : كانوا أهل عمد وأصحاب مواش يتنقلون في المياه والمناجع. قيل : كان تحول إلى بادية وسكنها، فإنّ الله لم يبعث نبياً من أهل البادية. وقيل : كان خرج إلى بدا وهو موضع وإياه عني جميل بقوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٩
وأنت التي جببت شعباً إلى بداإليّ وأوطاني بلاد سواهما