﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الامْرَ﴾. فقوله : وما كنت، هنا تهكم بهم، لأنه قد علم كل أحد أن محمداً صلى الله عليه وسلّم ما كان معهم. وأجمعوا أمرهم أي : عزموا على إلقاء يوسف في الجب، وهم
٣٥٠
يمكرون جملة حالية. والمكر : أن يدبر على الإنسان تدبيراً يضره ويؤذيه والناس، الظاهر العموم لقوله : ولكن أكثر الناس لا يؤمنون. وعن ابن عباس : أنهم أهل مكة. ولو حرصت : ولو بالغت في طلب إيمانهم لا يؤمنون لفرط عنادهم وتصميمهم على الكفر. وجواب لو محذوف أي : ولو حرصت لم يؤمنوا، إنما يؤمن من يشاء الله إيمانه. والضمير في عليه عائد على دين الله أي : ما تبتغي عليه أجراً على دين الله، وقيل : على القرآن، وقيل : على التبليغ، وقيل : على الأنباء بمعنى القول. وفيه توبيخ للكفرة، وإقامة الحجة عليهم. أو وما تسألهم على ما تحدثهم به وتذكرهم أن ينيلوك منفعة وجدوى، كما يعطي جملة الأحاديث والأخبار إن هو إلا موعظة وذكر من الله للعالمين عامة، وحث على طلب النجاة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ا وقرأ بشر بن عبيد : وما نسألهم بالنون. ثم أخبر تعالى أنهم لفرط كفرهم يمرون على الآيات التي تكون سبباً للإيمان ولا تؤثر فيهم، وأن تلك الآيات هي في العالم العلوي وفي العالم السفلي وتقدم قراءة ابن كثير وكأين. قال ابن عطية وهو اسم فاعل من كان فهو كائن ومعناها معنى كم في التكثير انتهى. وهذا شيء يروي عن يونس، وهو قول مرجوح في النحو. والمشهور عندهم أنه مركب من كاف التشبيه ومن أي، وتلاعبت العرب به فجاءت به لغات. وذكر صاحب اللوامح أن الحسن قرأ وكي بياء مكسورة من غير هم ولا ألف ولا تشديد، وجاء كذلك عن ابن محيصن، فهي لغة انتهى. من آية علامة على توحيد الله وصفاته، وصدق ما جيء به عنه. وقرأ عكرمة وعمرو بن قائد : والأرض بالرفع على الابتداء، وما بعده خبر. ومعنى يمرون عليها فيشاهدون ما فيها من الآيات. وقرأ السدي : والأرض بالنصب، وهو من باب الاشتغال أي : ويطوون الأرض يمرون عليها على آياتها، وما أودع فيها من الدلالات. والضمير في عليها وعنها في هاتين القراءتين يعود على الأرض، وفي قراءة الجمهور وهي بجر الأرض، يعود الضمير على آية أي : يمرون على تلك الآيات ويشاهدون تلك الدلالات، ومع ذلك لا يعتبرون. وقرأ عبد الله : والأرض برفع الضاد، ومكان يمرون يمشون، والمراد : ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر. وهم مشركون جملة حالية أي : إيمانهم ملتبس بالشرك. وقال ابن عباس : هم أهل الكتاب، أشركوا بالله من حيث كفروا بنبيه، أو من حيث ما قالوا في عزير والمسيح. وقال عكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد : هم كفار العرب أقروا بالخالق الرازق المحيي المميت، وكفروا بعبادة الأوثان والأصنام. وقال ابن عباس : هم الذين يشبهون الله بحلقه. وقيل : هم أهل مكة قالوا : لله ربنا لا شريك له، والملائكة بناته، فأشركوا ولم يوحدوا. وعن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والشعبي، وقتادة أيضاً ذلك في تلبيتهم يقولون : لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. وفي الحديث كان صلى الله عليه وسلّم إذا سمع أحدهم يقول : لبيك لا شريك لك بقول له :"قط قط" أي قف هنا ولا تزد إلا شريك هولك وقيل : هم الثنوية قالوا بالنور والظلمة. وقال عطاء : هذا في الدعاء ينسى الكفار ربهم في الرخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء. وقيل : هم المنافقون، جهروا بالإيمان وأخفوا الكفر. وقيل : على بعض اليهود عبدوا عزيراً، والنصارى عبدوا الكواكب. وقيل : قريش لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا : إنا مؤمنون، ثم عادوا إلى الشرك بعد كشفه. وقيل : جميع الخلق مؤمنهم بالرسول وكافرهم، فالكفار تقدم شركهم، والمؤمنون فيهم الشرك الخفي، وأقربهم إلى الكفر المشبهة. ولذلك قال ابن عباس : آمنوا محملاً، وكفروا مفصلاً. وثانيها من يطيع الخلق بمعصية الخالق، وثالثها من يقول : نفعني فلان وضرّني فلان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٠
أفأمنوا : استفهام إنكار فيه توبيخ وتهديد، غاشية نقمة تغشاهم أي، تغظيهم كقوله :﴿يَوْمَ يَغْشَـاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ وقال الضحاك : يعني الصواعق والقوارع انتهى. وإتيان الغاشية يعني في
٢٥١
الدنيا، وذلك لمقابلته بقوله أو تأتيهم الساعة أي يوم القيامة، بغتة أي : فجأة في الزمان من حيث لا يتوقع، وهم لا يشعرون تأكيد لقوله بغتة. قال الكرماني : لا يشعرون بإتيانها أي : وهم غيره مستعدين لها. قال ابن عباس : تأخذهم الصيحة على أسواقهم ومواضعهم. وقرأ أبو حفص، وبشر بن عبيد : أو يأتيهم الساعة.


الصفحة التالية
Icon