وقرأ النخعي، وأبو رزين، وابان بن ثعلب، عن قتادة : تدبر الأمر نفصل بالنون فيهما، وكذا قال أبو عمرو الداني عن الحسن فيهما، وافق في نفصل بالنون الخفاف، وعبد الواحد عن أبي عمرو، وهبيرة عن حفص. وقال صاحب اللوامح : جاء عن الحسن والأعمش نفصل بالنون فقط. وقال المهدوي : لم يختلف في يدبر، أو ليس كما قال ؟ إذ قد تقدمت قراءة ابان. ونقل الداني عن الحسن : والذي تقتضيه الفصاحة أن هاتين الجملتين استفهام إخبار عن الله تعالى. وقيل : يدبر حال من الضمير في وسخر، ونفصل حال من الضمير في يدبر، والخطاب في لعلكم للكفرة، وتوقنون بالجزاء أو بأنّ هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
﴿وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الارْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَـارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِا يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَا إِنَّ﴾ :
٣٦٠
...........
٣٦٢
حين مد الأرض جعل ذلك، ثم تكثرت وتنوعت. وقيل : أراد بالزوجين الأسود والأبيض، والحلو والحامض، والصغير والكبير، وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة. وقال ابن عطية : وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة موجود فيها نوعان، فإن اتفق أن يوجد من ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية. وقال الكرماني : الزوج واحد، والزوج اثنان، ولهذا قيد ليعلم أنّ المراد بالزوج هنا الفرد لا التثنية، فيكون أربعاً. وخص اثنين بالذكر، وإن كان من أجناس الثمار ما يزيد على ذلك لأنه الأقل، إذ لا نوع تنقص أصنافه عن اثنين انتهى. ويقال : إن في كل ثمرة ذكر وأنثى، وأشار إلى ذلك الفراء. وقال أبو عبد الله الرازي : لما خلق الله تعالى العالم وخلق فيه الأشجار، خلق من كل نوع من الأنواع اثنين فقط. فلو قال : خلق زوجين، لم يعلم أنّ المراد النوع أو الشخص، فلما قال : اثنين علمنا أنه أول ما خلق من كل زوجين اثنين لا أقل ولا أزيد. فالشجر والزرع كبني آدم، حصل منهم كثرة، وابتداؤهم من زوجين اثنين بالشخص وهما آدم وحواء. والاستدلال بخلق الثمرات على ما ذكر تعالى من جهة ربو الجنة في الأرض، وشق أعلاها وأسفلها، فمن الشق الأعلى الشجرة الصاعدة، ومن الأسفل العروق الغائصة، وطبيعة تلك الجنة واحدة، وتأثيرات الطبائع والأفلاك والكواكب فيها واحد. ثم يخرج من الأعلى على ما يذهب صعداً في الهواء، ومن الأسفل ما يغوص في الثرى، ومن المحال أن يتولد من الطبيعة الواحدة طبيعتان متضادتان، فعلمنا أن ذلك بتقدير قادر حكيم. ثم تلك الشجرة يكون بعضها خشباً، وبعضها لوزاً، وبعضها ثمراً، ثم تلك الثمرة يحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع وذلك بتقدير القادر الحكيم انتهى. وفيه تلخيص. وقيل : تم الكلام عند قوله : ومن كل الثمرات، فيكون معطوفاً على ما قبله من عطف المفردات، ويتعلق بقوله : وجعل فيها رواسي. فالمعنى : أنه جعل في الأرض من كل ذكر وأنثى اثنين، وقيل : الزوجان الشمس والقمر، وقيل : الليل والنهار، يغشى الليل النهار تقدم تفسير هذه الجملة وقراآتها في الأعراف. وخص المتفكرين لأنّ ما احتوت عليه هذه الآيات من الصنيع العجيب لا يدرك إلا بالتفكر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
﴿وَفِى الارْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـاوِرَاتٌ وَجَنَّـاتٌ مِّنْ أَعْنَـابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ﴾ : قطع جمع قطعة وهي الجزء. ومتجاورات متلاصقة متداينة، قريب بعضها من بعض. قال ابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية، والضحاك : أرض طيبة وأرض سبخة، نبتت هذه، وهذه إلى جنبها لا تنبت. وقال ابن قتيبة وقتادة : يعني القرى المتجاورة. وقيل : متجاورة في المكان، مختلفة في الصفة، صلبة إلى رخوة. وسحراً إلى مرد أو مخصبة إلى مجدبة، وصالحة للزرع لا للشجر، وعكسها مع انتظام جميعها في الأرضية. وقيل : في الكلام حذف معطوف أي : وغير متجاورات.
٣٦٢


الصفحة التالية
Icon