والمتجاورات المدن وما كان عامراً، وغير المتجاورات الصحاري وما كان غير عامر. قال ابن عطية : والذي يظهر من وصفه لها بالتجاور إنما هو من تربة واحدة، ونوع واحد. وموضع العبرة في هذا أبين، لأنها مع اتفاقها في الترب والماء تفضل القدرة والإرادة بعض أكلها على بعض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل عن هذه الآية فقال :"الدقل، والقارس، والحلو، والحامض" وقال ابن عطية : وقيد منها في هذه المثال ما جاور وقرب بعضه من بعض، لأن اختلاف ذلك في الأكل أغرب. وفي بعض المصاحف : قطعاً متجاورات بالنصب على جعل. وقرأ الجمهور : وجنات بالرفع، وقرأ الحسن : بالنصب، بإضمار فعل. وقيل : عطفاً على رواسي. وقال الزمخشري : بالعطف على زوجين اثنين، أو بالجر على كل الثمرات انتهى. والأولى إضمار فعل لبعد ما بين المتعاطفين في هذه التخاريج، والفصل بينهما بجمل كثيرة. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص : وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان بالرفع في الجميع على مراعاة قطع. وقال ابن عطية : عطفاً على أعناب، وليست عبارة محررة أيضاً، لأن فيها ما ليس بعطف وهو قوله : صنوان. وقرأ باقي السباعة : بخفض الأربعة على مراعاة من أعناب قال : وجعل الجنة من الأعناب من رفع الزرع، والجنة حقيقة إنما هي الأرض التي فيها الأعناب، وفي ذلك تجوز ومنه قول الشاعر :
كأن عيني في غربي مقبلةمن النواضح تسقي جنة سحقا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
أي نخيل جنة إذ لا يوصف بالسحق إلا النخل. ومن خفض الزرع فالجنات من مجموع ذلك لا من الزرع وحده، لأنه لا يقال للمزرعة جنة إلا إذا خالطها ثمرات. وقرأ الجمهور : صنوان بكسر الصاد فيهما، وابن مصرف والسلمي وزيد بن علي : بضمها، والحسن وقتادة بفتحها، وبالفتح هو اسم للجمع، كالسعدان. وقرأ عاصم، وابن عامر، وزيد بن علي : يسقى بالياء، أي : يسقى ما ذكر. وباقي السبعة بالتاء، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وأهل مكة. أنثوا لعود الضمير على لفظ ما تقدم، ولقوله : ونفضل بالنون. وحمزة والكسائي بالياء، وابن محيصن بالياء في تسقي، وفي نفضل. وقرأ يحيى بن يعمر، وأبو حيوة، والحلبي عن عبد الوارث : ويفضل بالياء، وفتح الضاد بعضها بالرفع. قال أبو حاتم : وجدته كذلك في مصحف يحيى بن يعمر، وهو أول من نقط المصاحف. وتقدم في البقرة خلاف القراء في ضم الكاف من الأكل وسكونها. والأكل بضم الهمزة المأكول كالنقض بمعنى المنقوض، وبفتحها المصدر. والظاهر من تفسير أكثر المفسرين للصنوان أن يكون قوله : صنوان، صفة لقوله : ونخيل. ومن فسره منهم بالمثل جعله وصفاً لجميع ما تقدم أي : أشكال، وغيره إشكال. قيل : ونظير هذه الكلمة قنو وقنوان، ولا يوجد لهما ثالث ونص على العنوان لأنها بمثال التجاور في القطع، فظهر فيها عرابة اختلاف الأكل. ومعنى بماء واحد : ماء مطر، أو ماء بحر، أو ماء نهر، أو ماء عين، أو ماء نبع لا يسيل على وجه الأرض. وخص التفضيل في الأكل وإن كانت متفاضلة في غيره، لأنه غالب وجوه الانتفاع من الثمرات. ألا ترى إلى تقاربها في الأشكال، والألوان، والروائح، والمنافع، وما يجري مرجى ذلك ؟ قيل : نبه الله تعالى في هذه الآية على قدرته وحكمته، وأنه المدبر للأشياء كلها، وذلك أن الشجرة تخرج أغصانها وثمراتها في وقت معلوم لا تتأخر عنه ولا تتقدم، ثم يتصعد الماء في ذلك الوقت علواً علواً وليس من طبعه إلا التسفل، يتفرق ذلك الماء في الورق والأغصان والثمر كل بقسطه وبقدر ما فيه صلاحه، ثم تختلف طعوم الثمار والماء واحد، والشجر جنس واحد. وكل ذلك دليل على مدبر دبره وأحكمه، لا يشبه المخلوقات. قال الراجز :
والأرض فيها عبرة للمعتبرتخبر عن صنع مليك مقتدر
٣٦٣
تسقى بماء واحد أشجارهاوبقعة واحدة قرارها
والشمس والهواء ليس يختلفوأكلها مختلف لا يأتلف
لو أن ذا من عمل الطبائعأو أنه صنعة غير صانع
لم يختلف وكان شيئاً واحداهل يشبه الأولاد إلا الوالدا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
الشمس والهواء يا معاندوالماء والتراب شيء واحد
فما الذي أوجب ذا التفاضلاإلا حكيم لم يرده باطلا