وتحقيق وفصل بين الهمزتين وتركه. وقولهم : فعجب، هو خبر مقدم ولا بد فيه من تقدير صفة، لأنه لا يتمكن المعنى بمطلق فلا بد من قيده وتقديره ـ والله أعلم ـ : فعجب أي عجب، أو فعجب غريب. وإذا قدرناه موصوفاً جاز أن يعرب مبتدأ لأنه نكرة فيها مسوغ الابتداء وهو الوصف، وقد وقعت موقع الابتداء، ولا يضر كون الخبر معرفة ذلك. كما أجاز سيبويه ذلك في كم مالك ؟ لمسوغ الابتداء فيه وهو الاستفهام، وفي نحو : اقصد رجلاً خير منه أبوه، لمسوغ الابتداء أيضاً، وهو كونه عاملاً فيما بعده. وقال أبو البقاء : وقيل عجب بمعنى معجب، قال : فعلى هذا يجوز أن يرتفع قولهم به انتهى. وهذا الذي أجازه لا يجوز، لأنه لا يلزم من كون الشيء بمعنى الشيء أن يكون حكمه في العمل كحكمه، فمعجب يعمل، وعجب لا يعمل، ألا ترى أن فعلاً كذبح، وفعلاً كقبض، وفعلة كغرفة، هي بمعنى مفعول، ولا يعمل عمله، فلا تقول : مررت برجل ذبح كبشه، ولا برجل قبض ماله، ولا برجل غرف ماءه، بمعنى مذبوح كبشه ومقبوض ماله ومعروف ماؤه. وقد نصوا على أن هذه تنوب في الدلالة لا في العمل عن المفعول. وقد حصر النحويون ما يرفع الفاعل، والظاهر أن أئذا معمول لقولهم محكى به. وقال الزمخشري : أئذا كنا إلى آخر قولهم يجوز أن يكون في محل الرفع بدلاً من قولهم انتهى. هذا إعراب متكلف، وعدول عن الظاهر. وإذا متمحضة للظرف وليس فيها معنى الشرط، فالعامل فيها محذوف يفسره ما يدل عليه الجملة الثانية وتقريره : أنبعث، أو أنحشر. أولئك إشارة إلى قائل تلك المقالة، وهو تقرير مصمم على إنكار البعث، فلذلك حكم عليهم بالكفر إذ عجزوا قدرته من إعادة ما أنشأ واخترع ابتداء. ولما حكم عليهم بالكفر في الدنيا ذكر ما يؤولون إليه في الآخرة على سبيل الوعيد، وأبرز ذلك في جملة مستقلة مشار إليهم. والظاهر أنّ الأغلال تكون حقيقة في أعناقهم كالأغلال، ثم ذكر ما يستقرون عليه في الآخرة، كما قال : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل. وقيل : يحتمل أن يكون مجازاً أي : هم مغلولون عن الإيمان، فتجري إذاً مجرى الطبع والختم على القلوب كما قال تعالى :﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَـاقِهِمْ أَغْلَـالا﴾ وكما قال الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
لهم عن الرشد أغلال وأقياد
وقيل : الأغلال هنا عبارة عن أعمالهم الفاسدة في أعناقهم كالأغلال، ثم ذكر ما يستقرون عليه في الآخرة، وأبرز ذلك في جملة مستقلة مشار إليهم رادة عليهم ما أنكروه من البعث، إذ لا يكون أصحاب النار إلا بعد الحشر. ولما كانوا متوعدين بالعذاب إن أصروا على الكفر، وكانوا مكذبين بما أنذروا به من العذاب، سألوا واستعجلوا في الطلب أن يأتيهم العذاب وذلك على سبيل الاستهزاء كما قالوا :﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً﴾ وقالوا :﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾.
قال ابن عباس : السيئة العذاب، والحسنة العافية. وقال قتادة : بالشر قبل الخير. وقيل : بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية، وهذه الأقوال متقاربة. وقد خلت من قبلهم المثلات أي : يستعجلونك بالسيئة مع علمهم بما حل بغيرهم من مكذبي الرسل في الأمم السالفة، وهذا يدل على سخف عقولهم، هذ يستعجلون بالعذاب. والحالة هذه فلو أنه لم يسبق تعذيب أمثالهم لكانوا ربما يكون لهم عذر، ولكنهم لا يعتبرون فيستهزؤون. قال ابن عباس : المثلات العقوبات المستأصلات، كمثلات قطع الأنف والأذن ونحوهما. وقال السدي : النقمات. وقال قتادة : وقائع الله الفاضحة، كمسخ القردة والخنازير. وقال مجاهد : الأمثال المضروبة. وقرأ الجمهور : بفتح الميم، وضم التاء، ومجاهد والأعمش بفتحهما. وقرأ عيسى بن عمير وفي رواية الأعمش وأبو بكر : بضمهما، وابن وثاب : بضم الميم وسكون الثاء، وابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء. ولذو مغفرة للناس على ظلمهم ترجية للغفران، وعلى ظلمهم في موضع الحال والمعنى : أنه يغفر لهم مع ظلمهم أنفسهم. باكتساب الذنوب أي : ظالمين أنفسهم. قال ابن عباس : ليس في القرآن
٣٦٦


الصفحة التالية
Icon