آية أرجى من هذه. وقال الطبري : ليغفر لهم في الآخرة. وقال القاسم بن يحيى وقوم : ليغفر لهم الظلم السالف بتوبتهم في الآنف. وقيل : ليغفر السيئات الصغيرة لمجتنب الكبائر. وقيل : ليغفر لهم بسترة وإمهاله، فلا يعجل لهم العذاب مع تعجيلهم بالمعصية. قال ابن عطية : والظاهر من معنى المغفرة هنا هو ستره في الدنيا، وإمهاله للكفرة. ألا ترى التيسير في لفظ مغفرة، وأنها منكرة مقلدة وليس فيها مبالغة كما في قوله تعالى :﴿وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ﴾ ومحط الآية يعطي هذا حكمه عليهم بالنار. ثم قال : ويستعجلونك، فلما ظهر سوء فعلهم وجب في نفس السامع تعذيبهم، فأخبر بسيرته في الأمم، وأنه يمهل مع ظلم الكفرة انتهى. ولشديد العقاب : تخويف وارتقاب بعد ترجية. وقال سعيد بن المسيب : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"لولا عفو الله ومغفرته لما هنأ لأحد عيش، ولولا عقابه لا تكل كل أحد" وفي حديث آخر :"إن العبد لو علم قدر عفو الله لما أمسك عن ذنب، ولو علم قدر عقوبته لقمع نفسه في عبادة الله عز وجل".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِا إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌا وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ : عن ابن عباس : لما نزلت وضع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يده على صدره فقال :"أنا منذر" وأومأ بيده إلى منكب عليّ وقال :"أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدى من بعدي"، وقال القشيري : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلّم وعليّ بن أبي طالب، والذين كفروا مشركو العرب، أو من أنكر نبوته من مشركيهم والكفار، ولم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر، وانقياد الشجر، وانقلاب العصا سيفاً، ونبع الماء من بين الأصابع، وأمثال هذه. فاقترحوا عناداً آيات كالمذكورة في سبحان، وفي الفرقان كالتفجير للينبوع، والرقي في السماء، والملك، والكنز، فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم : إنما أنت منذر تخوفهم من سوء العاقبة، وناصح كغيرك من الرسل، ليس لك الإتيان بما اقترحوا. إذ قد أتى بآيات عدد الحصا، والآيات كلها متماثلة في صحة الدعوى، لا تفاوت فيها. فالاقتراح إنما هو عناد، ولم يجر الله العادة بإظهار الآيات المقترحة إلا للآية التي حتم بعذابها واستئصالها.
وهاد : يحتمل أن يكون قد عطف على منذر، وفصل بينهما بقوله لكل قوم، وبه قال : عكرمة، وأبو الضحى. فإن أخذت : ولكل قوم هاد، على العموم فمعناه : وداع إلى الهدى، كما قال : فإن أخذت هاد على حقيقته فلكل قوم مخصوص أي : ولكل قوم قائلين هاد. وقيل : ولكل أمة سلفت هاد أي : نبي يدعوهم، والقصد : فليس أمرك ببدع ولا منكر، وبه قال : مجاهد، وابن زيد، والزجاج قال : نبي يدعوهم بما يعطي من الآيات، لا بما يتحكمون فيه من الاقتراحات. وتبعهم الزمخشري. فقال : هاد من الأنبياء يهديهم إلى الدين، ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية، وبآية خص بها، ولم يجعل الأشياء شرعاً واحداً في آيات مخصوصة. وقالت فرقة : الهادي في هذه الآية هو الله تعالى، روي أن ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وهاد : على هذا مخترع للإرشاد. قال ابن عطية : وألفاظ تتعلق بهذا المعنى، وتعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع. وقال الزمخشري : في هذا القول وجه آخر : وهو أن يكون المعنى : أنهم يجحدون كون ما أنزل عليك آيات ويعاندون، فلا يهمنك ذلك، إنما أنت منذر، فما عليك إلا أن تنذر، لا أنْ تثبت الإيمان بالإلجاء، والذي يثبته بالإلجاء هو الله تعالى انتهى. ودلّ كلامه على الاعتزال. وقال في معنى القول الذي تبع فيه مجاهد، وابن زيد ما نصه : ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته، أن أعطاء كل منذر آيات أمر مدبر بالعلم النافذ، مقدر بالحكمة الربانية. ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيراً أو مصلحة لأجابهم إليه. وقال الزمخشري أيضاً في معنى أن الهادي هو الله تعالى أي : بالإلجاء على زعمه
٣٦٧
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦


الصفحة التالية
Icon