وعليه متعلق بتوقدون وفي النار. قال أبو علي، والحوفي : متعلق بتقدون. وقال أبو علي : قد يوقد على كل شيء وليس في النار كقوله :﴿فَأَوْقِدْ لِى يَـاهَـامَـانُ عَلَى الطِّينِ﴾ فذلك البناء الذي أمر به يوقد عليه، وليس في النار، لكن يصيبه لهبها. وقال مكي وغيره : في النار متعلق بمحذوف تقديره : كائناً، أو ثابتاً. ومنعوا تعليقه بقوله : توقدون، لأنهم زعموا أنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار، وتعليق حرف الجر بتوقدون يتضمن تخصيص حال من حال أخرى انتهى. ولو قلنا : إنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار، لجاز أن يكون متعلقاً بتوقدون، ويجوز ذلك على سبيل التوكيد كما قالوا في قوله : يطير بجناحيه، وانتصب ابتغاء على أنه مفعول من أجله، وشروط المفعول من أجله موجودة فيه. وقال الحوفي : هو مصدر في موضع الحال أي : مبتغين حلية، وفي ذكر متعلق ابتغاء تنبيه على منفعة ما يوقدونعليه. والحلية ما يعمل للنساء مما يتزين به من الذهب والفضة، والمتاع ما يتخذ من الحديد والنحاس وما أشبههما من الآلات التي هي قوام العيش كالأواني، والمساحي، وآلات الحرب، وقطاعات الأشجار، والسكك، وغير ذلك. وزبد مرفوع بالابتداء، وخبره في قوله : ومما توقدون. ومِن الظاهر أنها للتبعيض، لأن ذلك الزبد هو بعض ما يوقد عليه من تلك المعادن. وأجاز الزمخشري أن تكون مِن لابتداء الغاية أي : ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء، والمماثلة في كونهما يتولدان من الأوساخ والأكدار، والحق والباطل على حذف مضاف أي : مثل الحق والباطل. شبه الحق بما يخلص من جرم هذه المعادن من الأقذار والخبث ودوام الانتفاع بها، وشبه الباطل بالزبد والمجتمع من الخبث والأقذار، ولا بقاء له ولا قيمة. وفصل ما سبق ذكره مما ينتفع به ومن الزبد، فبدأ بالزبد إذ هو المتأخر في قوله : زبداً رابياً، وفي قوله : زبد مثله، ولكون الباطل كناية عنه وصف متأخر، وهي طريقة فصيحة يبدأ في التقسيم بما ذكر آخراً كقوله :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌا فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ والبداءة بالسابق فصيحة مثل قوله :﴿فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ﴾ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ﴾ وكأنه ـ والله أعلم ـ يبدأ في التفصيل بما هو أهم في الذكر. وانتصب جفاء على الحال أي : مضمحلاً متلاشياً لا منفعة فيه ولا بقاء له. والزبد يراد به ما سبق من ما احتمله السيل وما خرج من حيث المعادن، وأفرد الزبد بالذكر ولم يثن، وإن تقدم زبدان لاشتراكهما في مطلق الزبدية، فهما واحد باعتبار القدر المشترك. وقرأ رؤبة : جفالاً باللام بدل الهمزة من قولهم : جفلت الريح السحاب إذا حملته وفرقته. وعن أبي حاتم : لا يقرأ بقراءة رؤبة، لأنه كان يأكل الفار بمعنى : أنه كان أعرابياً جافياً. وعن أبي حاتم أيضاً : لا تعتبر قراءة الإعراب في القرآن. وأما ما ينفع الناس أي : من الماء الخالص من الغناء ومن الجوهر المعدني الخالص من الخبث أي : مثل ذلك الضرب كمثل الحق والباطل. يضرب الله الأمثال، والظاهر أنه لما ضرب هذا المثل للحق والباطل انتقل إلى ما لأهل الحق من الثواب، وأهل الباطل من العقاب، فقال : للذين استجابوا لربهم الحسنى، أي : الذين دعاهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلّم فأجابوا إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه الحالة الحسنى، وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمة الله، ودخول الجنة في الآخرة. فالحسنى مبتدأ، وخبره في قوله : للذين. والذين لم يستجيبوا مبتدأ، خبره ما بعده. وغاير بين جملتي الابتداء لما يدل عليه تقديم الجار والمجرور في الاعتناء والاهتمام، وعلى رأي الزمخشري من الاختصاص أي : لهؤلاء الحسنى لا لغيرهم. ولأن قراءة شيوخنا يقفون على قوله الأمثال، ويبتدئون للذين. وعلى هذا المفهوم أعرب الحوفي السني مبتدأ، وللذين خبره، وفسر ابن عطية وفهم السلف. قال ابن عباس : جزاء الحسنى وهي لا إله إلا الله. وقال مجاهد : الحياة الحسنى ما في الطيبة. وقيل : الجنة لأنها في نهاية الحسنى. وقيل : المكافأة أضعافاً. وعلق الزمخشري
٣٨٢