للذين بقوله يضرب فقال : للذين استجابوا متعلقة بيضرب أي : كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا، وللكافرين الذين لم يستجيبوا أي : هما مثلاً الفريقين. والحسنى صفة لمصدر استجابوا أي : استجابوا الاستجابة الحسنى. وقولهم : لو أن لهم كلام مبتدأ، ذكر ما أعد لغير المستجيبين انتهى. والتفسير الأول أولى، لأنه فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين، والله تعالى قد ضرب أمثالاً كثيرة في هذين وفي غيرهما، ولأنه فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف قول الزمخشري، فكما ذكر ما لغير المستجيبين من العقاب، ذكر ما للمستجيبين من الثواب. ولأنّ تقديره الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة، ومقابلتها ليس نفي الاستجابة مطلقاً، إنما مقابلها نفي الاستجابة الحسنى، والله تعالى قد نفى الاستجابة مطلقاً. ولأنه على قوله يكون قوله : لو أن لهم ما في الأرض جميعاً، كلاماً مفلتاً مما قبله، أو كالمفلت، إذ يصير المعنى : كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين. لو أن لهم ما في الأرض، فلو كان التركيب بحرف رابط لو بما قبلها زال التفلت، وأيضاً فيوهم الاشتراك في الضمير، وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوماً لهم. وأيضاً فقد جاء هذا التركيب، وتقدم تفسير مثل قوله : لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به، وسوء الحساب قال ابن عباس : أن لا تقبل حسناتهم ولا تغفر سيئاتهم. وقال النخعي : وشهدو وفرقران يحاسب على ذنوبه كلها، ويحاسب ويؤاخذ بها من غير أن يغفر له شيء. وقال أبو الجوزاء : المناقشة. وقيل : للتوبيخ عند الحساب والتقريع، وتقدم تفسير مثل ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُا وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٦
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣
٣٨٣
القارعة : الرزية التي تقرع قلب صاحبها أي : تضربه بشدة، كالقتل، والأسر، والنهب، وكشف الحريم. وقال الشاعر :
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضهببعض أبت عيدانه أن تكسرا
أي ضربنا بقوة. وقال الزجاج القارعة في اللغة النازلة الشديدة تنزل بأمر عظيم. المحو الإزالة محوت الخط أذهبت أثره ومحا المطر رسم الدار أذهبه وأزاله ويقال في مضارعه يمحو ويمحي لأن عينه حرف حلق والإثبات ضد المحو.
﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ا إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الالْبَـابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَـاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِا أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُواءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَواةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوالَئاِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّـاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآاِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّـاتِهِم وَالْمَلَئاِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَـامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُم فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ : قال ابن عباس : نزلت أفمن يعلم في حمزة وأبي جهل. وقيل : في عمر بن الخطاب وأبي جهل. وقيل : في عمار بن ياسر وأبي جهل. قرأ زيد بن علي : أو من بالواو بدل الفاء، إنما أنزل مبنياً للفاعل. ولما ذكر تعالى مثل المؤمن والكافر، وذكر ما للمؤمن من الثواب، وما للكافرين من العقاب، ذكر استبعاد من يجعلها سواء وأنكر ذلك فقال : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى أي : ليسا مشتبهين، لأنّ العالم بالشيء بصير به، والجاهل به كالأعمى، والمراد أعمى البصيرة ولذلك قابله بالعلم. والهمزة للاستفهام المراد به : إنكار أن تقع شبهة بعدما ضرب من المثل في أن حال من علم إنما أنزل إليك من ربك الحق فاستجاب، بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب، كبعد ما بين الزبد والماء، والخبث والإبريز. ثم ذكر أنه لا يتذكر بالموعظة، وضرب الأمثال إلا أصحاب العقول. والفاء للعطف، وقدمت همزة الاستفهام لأنه صدر الكلام والتقدير : فأمن يعلم، ويبعدها أن يكون فعل محذوف بين الهمزة والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك الفعل،
٣٨٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣


الصفحة التالية
Icon