وقيل : تقديره لما آمنوا به كقوله تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الْمَلَئاِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾ قال الزجاج. وقال الفراء : هو متعلق بما قبله، والمعنى : وهم يكفرون بالرحمن. ولو أن قرآناً سيرت به الجبال وما بينهما اعتراض، وعلى قول الفراء : يترتب جواب لو أن يكون لما آمنوا، لأنّ قولهم وهم يكفرون بالرحمن ليس جواباً، وإنما هو دليل على الجواب. وقيل : معنى قطعت به الأرض شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً. ويترتب على أن يكون الجواب المحذوف لما آمنوا قوله : بل لله الأمر جميعاً أي : الإيمان والكفر، إنما يخلقهما الله تعالى ويريدهما. وأما على تقدير لكان هذا القرآن، فيحتاج إلى ضميمة وهو أن يقدر : لكان هذا القرآن الذي أوحينا إليك المطلوب فيه إيمانهم وما تضمنه من التكاليف، ثم قال : بل لله الأمر جميعاً أي : الإيمان والكفر بيد الله يخلقهما فيمن يشاء. وقال الزمخشري : بل لله الأمر جميعاً على معنيين : أحدهما : بل لله القدرة على كل شيء، وهو قادر على
٣٩١
الآيات التي اقترحوها، إلا أن علمه بأن إظهارها مفسدة. والثاني : بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان وهو قادر على الإلجاء. لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار، ويعضده قوله تعالى : أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله، مشيئة الإلجاء والقسر لهدى الناس جميع انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. واليأس القنوط في الشيء، وهو هنا في قول الأكثرين بمعنى العلم، كأنه قيل : ألم يعلم الذين آمنوا. قال القاسم بن معن هي : لغة هوازن، وقال ابن الكلبي : هي لغة من النخع وأنشدوا على ذلك لسحيم بن وثيل الرياحي وقال ابن الكلبي :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣
أقول لهم بالشعب إذ ييسروننيألم تيأسوا إني ابن فارس زهدم
وقال رباح بن عدي :
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنهوإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وقال آخر : قثشي ش
حتى اذا يئس الرماة وارسلوا غضفا دواجن قافلا أعصامها
إذا علموا أنّ ليس وجد إلا لذي وارا. وأنكر الفراء أن يكون يئس بمعنى علم، وزعم أنه لم يسمع أحد من العرب يقول : يئست بمعنى علمت انتهى. وقد حفظ ذلك غيره، وهذا القاسم بن معن من ثقاة الكوفيين وأجلائهم نقل أنها لغة هوزان، وابن الكلبي نقل أنها لغة لحي من النخع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وقيل : إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه، لأنّ اليائس من الشيء عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك. وحمل جماعة هنا اليأس على المعروف فيه في اللغة وهو : القنوط من الشيء، وتأولوا ذلك. فقال الكسائي : المعنى أفلم ييئس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش المعاندين لله ورسوله ؟ وذلك أنه لما سألوا هذه الآيات اشتاق المؤمنون إليها وأحبوا نزولها ليؤمن هؤلاء الذين علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون، فقال الذين آمنوا من إيمانهم. وقال الفراء : وقع للمؤمنين أن لو يشاء هدى الناس جميعاً فقال : أفلم ييأسوا ؟ علمنا بقول آبائهم، فالعلم مضمر كما تقول في الكلام : يئست منك أن لا تفلح كأنه قال : علمته علماً قال : فيئست بمعنى علمت وإن لم يكن قد سمع، فإنه يتوجه إلى ذلك بالتأويل. وقال أبو العباس : أفلم ييأسوا بعلمهم أن لا هداية إلا بالمشيئة ؟ وإيضاح هذا المعنى أن يكون : أن لو يشاء الله متعلقاً بآمنوا أي : أفلم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً، ولهداهم إلى الإيمان أو الجنة. وقال ابن عطية : ةّويحتمل أن يكونن اليأس في هذه الآية على بابه، وذلك أنه لما أبعد إيمانهم في قوله : ولو أن قرآناً الآية على التأويل في المحذوف المقدر. قال في هذه : أفلم ييأس المؤمنون انتهى. وهذا قول الفراء الذي ذكرناه، وقال الزمخشري : ويجوز أن يتعلق أن لو يشاء الله بآمنوا على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً انتهى. وهذا قول أبي العباس، ويحتمل عندي وجه آخر غير ما ذكروه، وهو أن الكلام تام عند قوله : أفلم ييأس الذين آمنوا، إذ هو تقرير أي : قد يئس المؤمنون من إيمان هؤلاء المعاندين. وأنْ لو يشاء جواب قسم محذوف أي : وأقسموا لو شاء الله لهدى الناس جميعاً، ويدل على إضمار هذا القسم وجود أنْ مع لو كقول الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣
أما والله أن لو كنت حراوما بالحر أنت ولا القمين
وقول الآخر :
٣٩٢
فاقسم أن لو التقينا وأنتملكان لنا يوم من الشر مظلم


الصفحة التالية
Icon