وقد ذكر سيبويه أنّ أن تأتي بعد القسم، وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم المقسم بالجملة عليها، وأما على تأويل الجمهور فإن عندهم هي المخففة من الثقيلة أي : أنه لو يشاء الله. وقرأ علي وابن عباس قال الزمخشري وجماعة من الصحابة والتابعين، وقال غيره، وعكرمة، وابن أبي مليكة، والجحدري، وعلي بن الحسين، وابنه زيد، وأبو زيد المزني، وعلي بن نديمة، وعبد الله بن يزيد : أفلم يتبين من بينت كذا إذا عرفته. وتدل هذه القراءة على أنّ معنى أفلم ييأس هنا معنى العلم، كما تظافرت النقول أنها لغة لبعض العرب. وهذه القراءة ليست قراءة تفسير لقوله : أفلم ييأس، كما يدل عليه ظاهر كلام الزمخشري، بل هي قراءة مسندة إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم، وليست مخالفة للسواد إذ كتبوا ييئس بغير صورة الهمزة، وهذا كقراءة :﴿فَتَبَيَّنُوا ﴾ ووكلتاهما في السبعة. وأما قول من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس، فسوى أسنان السين فقول زنديق ملحد. وقال الزمخشري : وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتاً بين دفتي الإمام، وكان متقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه والله فرية ما فيها مرية انتهى. وقال الفراء : لا يتلى إلا كما أنزل : أفلم ييأس انتهى.
والكفار عام في جميع الكفار، وهذا الأمر مستمر فيهم إلى يوم القيامة قاله : الحسن، وابن السائب، أو هو ظاهر اللفظ. وقال ابن عطية : كفار قريش، والعرب لا تزال تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وغزواته. وقال مقاتل والزمخشري : كفار مكة. قال الزمخشري : تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، أو تحل القارعة قريباً منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شررها، وتتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم، أو القيامة انتهى. وقال الحسن : حال الكفرة هكذا هو أبداً، ووعد الله قيام الساعة. والظاهر أنّ الضمير في تحل عائد على قارعة قاله الحسن. وقالت فرقة : التاء للخطاب، والضمير للرسول صلى الله عليه وسلّم، أو تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك كما حلّ بالحديبية، وعزاه الطبري إلى : ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وقاله عكرمة. ويكون وعد الله فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك، وقاله ابن عباس ومجاهد. وقرأ مجاهد، وابن جبير : أو يحل بالياء على الغيبة، واحتمل أن يكون عائداً على معنى القارعة راعى فيه التذكير لأنها بمعنى البلاء، أو تكون الهاء في قارعة للمبالغة، فذكر واحتمل أن يكون عائداً على الرسول صلى الله عليه وسلّم أي : ويحل الرسول قريباً. وقرأ أيضاً من ديارهم على الجمع. وقال ابن عباس : القارعة العذاب من السماء. وقال عكرمة : السرايا والطلائع. وفي قوله : ولقد استهزىء الآية، تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، وأنّ حالك حال من تقدمك من الرسل، وأنّ المستهزئين يملى لهم أي : يمهلون ثم يؤخذون. وتنبيه على أنّ حال من استهزأ بك، وإن أمهل حال أولئك في أخذهم ووعيد لهم. وفي قوله : فكيف كان عقاب استفهام معناه التعجب بما حل، وفي ضمنه وعيد معاصري الرسول صلى الله عليه وسلّم من الكفار.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣


الصفحة التالية
Icon