﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآاِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسا بِمَا كَسَبَت وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُم أَمْ تُنَبِّـاُونَه بِمَا لا يَعْلَمُ فِى الارْضِ أَم بِظَـاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِا بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِا وَمَن يُضْلِلِ﴾ : من موصولة صلتها ما بعدها، وهي مبتدأ والخبر محذوف تقديره : كمن ييئس، كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع، كما حذف من قوله :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِا﴾ تقديره : كالقاسي قلبه الذي هو في ظلمة. ودل عليه قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء، كما دل على القاسي ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَـاسِيَةِ قُلُوبُهُم﴾ ويحسن حذف هذا الخبر كون المبتدأ يكون مقابله الخبر المحذوف، وقد جاء مثبتاً كثيراً كقوله تعالى :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ﴾ ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ﴾ ثم قال :﴿كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ا﴾. والظاهر أنّ قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء، استئناف إخبار عن سوء صنيعهم، وكونهم أشركوا مع الله ما لا يصلح للألوهية. نعى عليهم هذا الفعل القبيح، هذا والباري تعالى هو المحيط بأحوال النفوس جليها وخفيها. ونبه على بعض حالاتها وهو الكسب، ليتفكر الإنسان فيما يكسب من خير وشر، وما يترتب على الكسب في الجزاء، وعبر بقائم عن الإحاطة والمراقبة التي لا يغفل عنها. وقال الزمخشري : ويجوز أن يقدر ما يقع خبراً للمبتدأ، ويعطف عليه وجعلوا لله أي : وجعلوا، وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه، وجعلوا له شركاء، وهو الله الذي يستحق العبادة وحده انتهى. وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله : وجعلوا لله أي : وجعلوا له، وفيه حذف الخبر عن المقابل، وأكثر ما جاء هذا الخبر مقابلاً. وفي تفسير أبي عبد الله الرازي قال : الشديد صاحب العقد، الواو في قوله تعالى : وجعلوا واو الحال، والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجود، والحال أنهم جعلوا له شركاء، ثم أقيم الظاهر وهو لله مقام المضمر تقديراً لألوهيته وتصريحاً بها، كما تقول : معطي الناس ومغنيهم موجود، ويحرم مثلي انتهى. وقال ابن عطية : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أحق بالعبادة أم الجمادات التي لا تضر ولا تنفع ؟ هذا تأويل. ويظهر أنّ القول مرتبط بقوله : وجعلوا لله شركاء، كأنّ المعنى : أفمن له القدرة والوحدانية ويجعل له شريك، هل ينتقم ويعاقب أم لا ؟ وأبعد من ذهب إلى أنّ قوله : أفمن هو قائم المراد به الملائكة الموكلون ببني آدم، حكاه القرطبي عن الضحاك. والخبر أيضاً محذوف تقديره : كغيره من المخلوقين. وأبعد أيضاً من ذهب إلى أن قوله : وجعلوا معطوفاً على استهزىء، أي : استهزؤوا وجعلوا، ثم أمره تعالى أن يقول لهم : سمرهم أي : اذكروهم بأسمائهم، والمعنى : أنهم ليسوا ممن يذكر ويسمى، إنما يذكر ويسمى من هو ينفع ويضرّ، وهذا مثل من يذكر لك أن شخصاً يوقر ويعظم وهو عندك لا يستحق ذلك فتقول لذاكره : سمه حتى أبين لك زيفه وأنه ليس كما تذكر. وقريب من هذا قول من قال في قوله : قل سموهم، إنما يقال ذلك في الشيء السمتحقر الذي يبلغ في الحقارة إلى أنْ لا يذكر ولا يوضع له اسم، فعند ذلك يقال له : سمه إن شئت أي : هو أخس من أن يذكر ويسمى. ولكن إن شئت أن تضع له اسماً فافعل، فكأنه قال : سموهم بالآلهة على جهة التهديد. والمعنى : سواء سميتموهم بهذا الاسم أم لم تسموهم به فإنها في الحقارة بحيث لا يستحق أن يلفت العاقل إليها. وقيل : سموهم إذا صنعوا وأماتوا وأحيوا لتصح الشركة. وقيل : طالبوهم بالحجة على أنها آلهة. وقيل : صفوهم وانظروا هل يستحقون الإلهية ؟ وقال الزمخشري : جعلتم له شركاء فسموهم له من هم، وبينوهم بأسمائهم. وقيل : هذا تهديد كما تقول لمن تهدده على شرب الخمر : سم الخمر بعد هذا. وأم في قوله : أم تنبؤونه منقطعة، وهو استفهام توبيخ. قال الزمخشري : بل أتنبؤونه بشركاء لا
٣٩٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣


الصفحة التالية
Icon