يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض، فإذا لم يعلمهم على أنهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم، والمراد نفي أن يكون له شركاء، ونحوه :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَه مِن شَىْءٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ﴾ انتهى. فجعل الفاعل في قوله : بما لا يعلم، عائداً على الله. والعائد على بما محذوف أي : بما لا يعلمه الله. وكنا قد خرجنا تلك الآية على الفاعل في قوله : بما لا يعلم، عائد على ما، وقررنا ذلك هناك، وهو يتقرر هنا أيضاً. أي : أتنبؤون الله بشركة الأصنام التي لا تتصف بعلم البتة. وذكر نفي العلم في الأرض، إذ الأرض هي مقر تلك الأصنام، فإذا انتفى علمها في المقر التي هي فيه، فانتفاؤه في السموات أحرى. وقرأ الحسن : تنبؤونه من أنبأ. وقيل : المراد تقدرون أنْ تعلموه بأمر تعلمونه أنتم وهو لا يعلمه، وخص الأرض بنفي الشريك بأنه لم يكن له شريك البتة، لأنهم ادَّعوا أنَّ لله شريكاً في الأرض لا في غيرها. والظاهر في أم في قوله : أم، بظاهر أنها منقطعة أيضاً أي : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير ن يكون لذلك حقيقة أي : أنكم تنطقون بتلك الأسماء وتسمونها آلهة ولا حقيقة لها، إذ أنتم لا تعلمون أنها لا تتصف بشيء من أوصاف الألوهية كقوله :﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِا إِلَّا أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ وقال مجاهد : أم بظاهر من القول. وقال قتادة : بباطل من القول، لا باطن له في الحقيقة. ومنه قول الشاعر :
أعيرتنا ألبانها ولحومهاوذلك عار يابن ريطة ظاهر
أي باطل. وقيل : أم متصلة، والتقدير : أم تنبئونه بظاهر من القول لا حقيقة له كقوله :﴿ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ ثم قال بعد هذا الحجاج على وجه التحقير لما هم عليه : بل زين للذين كفروا مكرهم. وقال الواحدي : لما ذكر الدلائل على فساد قولهم وقال : دع ذلك الدليل لأنهم لا ينتفعون به، لأنه زيّن لهم مكرهم. وقرأ مجاهد : بل زين على البناء للفاعل مكرهم بالنصب. والجمهور : زين على النباء للمفعول مكرهم بالرفع أي : كيدهم للإسلام بشركهم، وما قصدوا بأقوالهم وأفعالهم من مناقضة الشرع. وقرأ الكوفيون : وصدّوا هنا، وفي غافر بضم الصاد مبنياً للمفعول، فالفعل متعد. وقرأ باقي السبعة : بفتحها، فاحتمل التعدّي واللزوم أي : صدوا أنفسهم أو غيرهم. وقرأ ابن وثاب : وصدوا بكسر الصاد، وهي كقراءة ردت إلينا بكسر الراء. وفي اللوامح الكسائي لابن يعمر وصدوا بالكسر لغة، وفي الضم أجراه بحرف الجر نحو قبل، فأما في المؤمن فبالكسر لابن وثاب انتهى. وقرأ ابن أبي إسحاق : وصد بالتنوين عطفاً على مكرهم. قال الزمخشري : ومن يضلل الله، ومن يخذله يعلمه أنه لا يهتدي، فما له من هاد فما له من واحد يقدر على هدايته انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. والعذاب في الدنيا هو ما يصيبهم بسبب كفرهم من القتل والأسر والنهب والذلة والحروب والبلايا في أجسامهم، وغير ذلك مما يمتحن به الكفار. وكان عذاب الآخرة أشق على النفوس، لأنه إحراق بالنار دائماً ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ ومن واق : من ساتر يحفظهم من العذاب ويحميهم، ولما ذكر ما أعد للكفار في الآخرة ذكر ما أعد للمؤمنين فقال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣
﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُا أُكُلُهَا دَآاِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ا وَّعُقْبَى الْكَـافِرِينَ النَّارُ﴾ : مثل الجنة أي : صفتها التي هي في غرابة المثل، وارتفع مثل على الابتداء في مذهب سيبويه، والخبر محذوف أي : فيما قصصنا عليكم مثل الجنة، وتجري من تحتها الأنهار تفسير لذلك المثل. تقول : مثلت الشيء إذا وصفته وقربته للفهم، وليس هنا ضرب مثل لها فهو كقوله تعالى :﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الاعْلَى ﴾ أي الصفة العليا، وأنكر أبو عليّ أن يكون مثل بمعنى صفة قال : إنما معناه التنبيه. وقال الفراء : أي صفتها أنها تجري من تحتها الأنهار، ونحو هذا موجود في كلام العرب انتهى. ولا يمكن حذف أنَّها، وإنما فسر المعنى ولم يذكر
٣٩٥


الصفحة التالية
Icon