والأرض أرض الكفار المذكورين، ويعني بنقصها من أطرافها للمسلمين : من جوانبها. كان المسلمون يغزون من حوالى أرض الكفار مما يلي المدينة، ويغلبون على جوانب أرض مكة، والأطراف : الجوانب. وقيل : الطرف من كل شيء خياره، ومنه قول علي بن أبي طالب : العلوم أودية، في أي واد أخذت منها خسرت، فخذوا من كل شيء طرفاً يعني : خياراً قاله ابن عطية، والذي يظهر أن معنى طرفاً جانباً وبعضاً، كأنه أشار إلى أنّ الإنسان يكون مشاركاً في أطراف من العلوم، لأنه لا يمكنه استيعاب جميعها، ولم يشر إلى أنه يستغرق زمانه في علم واحد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣
وقال ابن عباس والضحاك : نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك، فتنقصها بما يدخل في دينك من القبائل والبلاد المجاورة لهم، فما يؤمنهم أن يمكنه منهم. وهذا التفسير لا يتأتى إلا أن قدر نزول هذه الآية بالمدينة. وقيل : الأرض اسم جنس، والانتقاص من الأطراف بتخريب العمران الذي يحله الله بالكفرة. وروي هذا عن ابن عباس أيضاً، ومجاهد، وعنهما أيضاً : الانتقاص هو بموت البشر، وهلاك الثمرات، ونقص البركة. وعن ابن عباس أيضاً : موت أشرافها وكبرائها، وذهاب الصلحاء والأخيار، فعلى هذا الأطراف هنا الأشراف. وقال ابن الأعرابي : الطرف والطرف الرجل الكريم. وعن عطاء بنن أبي رباح : ذهاب فقهائها وخيار أهلها. وعن مجاهد : موت الفقهاء والعلماء. وقال عكرمة والشعبي : هو نقص الأنفس. وقيل : هلاك من أهلك من الأمم قبل قريش، وهلاك أرضهم بعدهم. والمناسب من هذه الأقوال هو الأول. ولم يذكر الزمخشري إلا ما هو قريب منه قال : نأتي الأرض أرض الكفر ننقصها من أطرافها بما يفتح على المسلمين من بلادهم، فينقص دار الحرب، ويزيد في دار الإسلام، وذلك من آيات الغلبة والنصرة. ونحوه :﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الارْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآا أَفَهُمُ الْغَـالِبُونَ﴾ ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ﴾ والمعنى : عليك بالبلاغ الذي حملته، ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه، ونتم ما وعدناك من الظفر، ولا يضجرك تأخره، فإنّ ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها، ثم طيب نفسه ونفس عنها بما ذكر من طلوع تباشير الظفر. ويتجه قول من قال : النقص بموت الأشراف والعلماء والخيار وتقريره : أو لم يروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خراباً بعد عماره، وموتاً بعد حياة، ذلا بعد عز، ونقصاً بعد كمال، وهذه تغييرات مدركة بالحس. فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله الأمر عليهم ويصيرون دليلين بعد أن كانوا قاهرين.
وقرأ الضحاك : ننقصها مثقلاً، من نقص عداه بالتضعيف من نقص اللازم، والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله، وحقيقته الذي يعقبه أي : بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق : والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله، وحقيقته الذي يعقبه أي : بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق : معقب، لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب. قال لبيد :
طلب المعقب حقه المظلوم
والمعنى : أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس. وقيل : تتعقب أحكامه أي : ينظر في أعقابها أمصيبة هي أم لا، والجملة من قوله : لا معقب لحكمه في موضع الحال أي : نافذ حكمه، وهو سريع الحساب تقدم الكلام على مثل هذه الجملة. ثم أخبر تعالى أن الأمم السابقة كان يصدر منهم المكر بأنبيائهم كما فعلت قريش، وأنّ ذلك عادة المكذبين للرسل، مكر بابراهيم نمروذ، وبموسى فرعون، وبعيسى اليهود، وجعل تعالى مكرهم كلا مكر إذ أضاف المكر كله تعالى. ومعنى مكره تعالى عقوبته إياهم، سماها مكراً إذ كانت ناشئة عن المكر وذلك على سبيل المقابلة كقوله :﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ ثم فسر قوله فللَّه المكر، بقوله :
٤٠٠
يعلم ما تكسب كل نفس، والمعنى : يجازي كل نفس بما كسبت. ثم هدد الكافر بقوله : وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، إذ يأتيه العذاب من حيث هو في غفلة عنه، فحينئذ يعلم لمن هي العاقبة المحمودة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٣


الصفحة التالية
Icon