وما تخليت فيه مغفرة بعض الذنوب في الكافر الذي آمن هو موجود في المؤمن الذي تاب. وقال أبو عبد الله الرازي : أما قول صاحب الكساف المراد تمييز خطاب المؤمن من خطاب الكافر، فهو من باب الطامات، لأنّ هذا التبعيض إنْ حصل فلا حاجة إلى ذكر هذا الجواب، وإنْ لم يحصل كان هذا الكلام فاسداً. وقال : إلى أجل مسمى، إلى وقت قد بيناه، أو بينا مقداره إنْ آمنتم، وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت انتهى. وهذا بناء على القول بالأجلين، وهو مذهب المعتزلة. وتقدم الكلام في طرف من هذا في سورة الأعراف في قوله :﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ وقيل هنا : ويؤخركم إلى أجل مسمى قبل الموت فلا يعاجلكم بالعذاب، إن أنتم إلا بشر مثلنا لا فضل بيننا وبينكم، ولا فضل لكم علينا، فلم تخصون بالنبوة دوننا ؟ قال الزمخشري : ولو أرسل الله إلى البشر رسلاً لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة انتهى. وهذا على مذهب المعتزلة في تفضيل الملائكة على من سواهم. وقال ابن عطية : في قولهم استبعاد بعثة البشر. وقال بعض الناس : بل أرادوا إحالته، وذهبوا مذهب البراهمة، أو من يقول من الفلاسفة أن الأجناس لا يقع فيها هذا القياس. فظاهر كلامهم لا يقتضي أنهم أغمضوا هذا الإغماض، ويدل على ما ذكرت أنهم طلبوا منهم حجة، ويحتمل أن طلبهم منهم السلطان إنما هو على جهة التعجيز أي : بعثتكم محال، وإلا فأتوا بسلطان مبين أي : إنكم لا تفعلون ذلك أبداً، فتقوى بهذا الاحتمال منحاهم إلى مذهب الفلاسفة انتهى. والذي يظهر أنّ طلبهم السلطان المبين وقد أتتهم الرسل بالبينات إنما هو على سبيل التعنت والاقتراح، وإلا فما أتوا به من الدلائل والآيات كاف لمن استبصر، ولكنهم قلدوا آباءهم فيما كانوا عليه من الضلال. ألا ترى إلى أنهم لما ذكروا أنهم مماثلوهم قالوا : تريدون أنْ تصدونا عما كان يعبد آباؤنا أي : ليس مقصودكم إلا أن نكون لكم تبعاً، وننترك ما نشأنا عليه من دين آبائنا. وقرأ طلحة : أن تصدونا بتشديد النون، جعل إن هي المخففة من الثقيلة، وقدر فصلاً بينها وبين الفعل، وكان الأصل أنه تصدوننا، فأدغم نون الرفع في الضمير، والأولى أن تكون أن الثنائية التي تنصب المضارع، لكنه هنا لم يعملها بل ألغاها، كما ألغاها من قرأ ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ برفع يتم حملاً على ما المصدرية أختها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٠٢
٤١٠
﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِا وَمَا كَانَ لَنَآ﴾ : سلموا لهم في أنهم يماثلونهم في البشرية وحدها، وأما ما سوى ذلك من الأوصاف التي اختصوا بها. فلم يكونوا مثلهم، ولم يذكروا ما هم عليه من الوصف الذي تميزوا به تواضعاً منهم، ونسبة ذلك إلى الله. ولم يصرحوا بمنّ الله عليهم وحدهم، ولكن أبرزوا ذلك في عموم من يشاء من عباده. والمعنى : يمن بالنبوة على من يشاء تنبئته. ومعنى بإذن الله : بتسويغه وإرادته، أي الآية التي اقترحتموها ليس لنا الإتيان بها، ولا هي في استطاعتنا، ولذلك كان التركيب : وما كان لنا، وإنما ذلك أمر متعلق بالمشيئة. فليتوكل أمر منهم للمؤمنين بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً وأمروها به كأنهم قالوا : ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم، وما يجري علينا منكم. ألا ترى إلى قولهم وما لنا أن لا نتوكل على الله ومعناه : وأي عذر لنا في أنْ لا نتوكل على الله وقد هدانا، فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه، وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يوجب عليه سلوكه في الدين. والأمر الأول وهو قوله : فليتوكل المؤمنون لاستحداث التوكل، والثاني للثبات على ما استحدثوا من توكلهم. ولنصبرن جواب قسم، ويدل على سبق ما يجب فيه الصبر وهو الأذى. وما مصدرية، وجوزوا أن يكون بمعنى الذي. والضمير محذوف أي : ما آذيتموناه وكان أصله به، فهل حذف به أو الباء فوصل الفعل إلى الضمي قولان ؟ وقرأ الحسن : بكسر لام الأمر في ليتوكل وهو الأصل، وأو لأحد الأمرين أقسموا على أنه لا بد من إخراجهم، أو عودهم في ملتهم كأنهم قالوا : ليكونن أحد هذين. وتقدير أو هنا بمعنى حتى، أو بمعنى إلا أن قول من لم ينعم النظر في ما بعدها، لأنه لا يصح تركيب حتى، ولا تركيب إلا أن مع قوله : لتعودن بخلاف لألزمنك، أو تقضيني حقي والعود هنا بمعنى الصيرورة. أو يكون خطاباً للرسل ومن آمنوا بهم. وغلب حكم من آمنوا بهم لأنهم كانوا قبل ذلك في ملتهم، فيصح إبقاء لتعودن على المفهوم منها أولاً إذ سبق كونهم كانوا في ملتهم، وأما الرسل فلم يكونوا في ملتهم قط. أو يكون المعنى في عودهم إلى ملتهم سكوتهم عنهم، وكونهم إغفالاً عنهم لا يطالبونهم بالإيمان بالله وما جاءت به الرسل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٠


الصفحة التالية
Icon