قوله، في غضون كلامه حيث قبلها ألف، فلا أعلم حيث يضاف إلى الجملة المصدرة بالظرف نحو : قعد زيد حيث أمام عمر وبكر، فيحتاج هذا التركيب إلى سماع. وأما قوله : لأن ياء الإضافة إلى آخره، قد روى سكون الياء بعد الألف. وقرأ بذلك القراء نحو : محياي، وما ذهب إليه من ذكرنا من النحاة لا ينبغي أن يلتت إليه. واقتفى آثارهم فيها الخلاف، فلا يجوز أن يقال فيها : إنها خطأ، أو قبيحة، أو رديئة، وقد نقل جماعة من أهل اللغة أنها لغة، لكنه قلَّ استعمالها. ونص قطرب على أنها لغة في بني يرفوع. وقال القاسم بن معن وهو من رؤساء النحويين الكوفيين : هي صواب، وسأل حسين الجعفي أبا عمرو بن العلاء وذكر تلحين أهل النحو فقال : هي جائزة. وقال أيضاً : لا تبالي إلى أسفل حركتها، أو إلى فوق. وعنه أنه قال : هي بالخفض حسنة. وعنه أيضاً أنه قال : هي جائزة. وليست عند الإعراب بذلك، ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم على أبي عمرو تحسينها، فأبو عمرو إمام لغة، وإمام نحو، وإمام قراءة، وعربي صريح، وقد أجازها وحسنها، وقد رووا بيت النابغة :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
عليّ لعمرو نعمة بعد نعمةلوالده ليست بذات عقارب
بفخض الياء من عليّ. وما في بما أشركتموني مصدرية، ومن قبل متعلق بأشركتموني أي : كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي : في الدنيا، كقوله :﴿إِنَّا بُرَءَا ؤُا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ وقال : ويوم القيامة يكفرون بشرككم. وقيل : موصولة بمعنى الذي، والتقدير : كفرت بالصنم الذي أشركتمونيه، فحذف العائد. وقيل : من قبل متعلق بكفرت، وما بمعنى الذي أي : كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي أشركتمونيه وهو الله عز وجل. تقول : شركت زيداً، فإذا أدخلت همزة النقل قلت : أشركت زيداً عمراً، أي جعلته له شريكاً. إلا أن في هذا القول إطلاق ما على الله تعالى، وما الأصح فيها أنها لا تطلق على آحاد من يعلم. وقال الزمخشري : ونحو ما هذه يعني في إطلاقها على الله ما في قولهم : سبحان ما سخركن لنا انتهى. ومن منع ذلك جعل سبحان علماً على معنى التسبيح، كما جعل برة علماً للمبرة. وما مصدرية ظرفية، ويكون ذلك من إبليس إقراراً على نفسه بكفره الأقدم أي : خطيئتي قبل خطيئتكم. فلا إصراخ عندي أنّ الظالمين لهم عذاب أليم، الظاهر أنه من تمام كلام إبليس، حكى الله عنه ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيهاً للسامعين علي النظر في عاقبتهم، والاستعداد لما لا بد منه. وأن يتصوروا في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول، يخافوا، ويعملوا ما يخلصهم منه، وينجيهم. وقيل : هو من كلام الخزنة يوم ذاك. وقيل : من كلام الله تعالى. ولأبي عبد الله الرازي كلام هنا في الشيطان والملائكة يوقف عليه من تفسيره.
﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـامٌ﴾ : لما جمع الفريقين في قوله :﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ وذكر شيئاً من أحوال الكفار، ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من إدخالهم الجنة. وقرأ الجمهور : وأدخل ماضينا مبنياً للمفعول. وقرأ الحسن، وعمرو بن عبيد : وأدخل بهمزة المتكلم مضارع أدخل أي : وأدخل أنا. وعلى قراءة الجمهور يحتمل أن يكون الفاعل الملائكة، والظاهر تعلق بإذن ربهم بأدخل. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : فبم يتعلق يعني بإذن ربهم في القراءة الأخرى، وقولك وأدخلهم أنا بإذن ربهم كلام غير ملئتم ؟ (قلت) : الوجه في هذه القراءة أن يتعلق قوله بإذن ربهم بما بعده أي : تحيتهم فيها سلام. بإذن ربهم يعني : أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم انتهى. فظاهر كلامه أنّ بإذن ربهم معمول لقوله :
٤٢٠
تحيتهم، ولذلك قال : يعني أنّ الملائكة يحيونهم بإذن ربهم، وهذا لا يجوز، لأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدري والفعل عليه، وهو غير جائز. وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي الحسن : أدخل برفع اللام على الاستقبال بإخبار الله تعالى عن نفسه، فيصير بذلك بإذن ربهم ألطف لهم وأحنى عليهم، وتقدم تفسير ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـامٌ﴾ في أوائل سورة يونس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣


الصفحة التالية
Icon