﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَآءِ * تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينا بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الامْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الارْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَفِى الاخِرَةِا وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّـالِمِينَا وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ﴾ : تقدم الكلام في ضرب مع المثل في أوائل البقرة، فكان يغني ذلك عن الكلام فيه هنا، إلا أنّ المفسرين أبدوا هنا تقديرات، فأعرب الحوفي والمهدوي وأبو البقاء مثلاً مفعولا بضرب، وكلمة بدل من مثلا. وإعرابهم هذا تريع، على أنّ ضرب مثل لا يتعدى لا إلى مفعول واحد. وقال ابن عطية : وأجازه الزمخشري مثلا مفعول بضرب، وكلمة مفعول أول تفريعاً على أنها مع المثل تتعدى إلى اثنين، لأنها بمعنى جعل. وعلى هذا تكون كشجرة خبر مبتدأ محذوف أي : جعل كلمة طيبة مثلاً هي أي : الكلمة كشجرة طيبة، وعلى البدل تكون كشجرة نعتاً للكلمة. وأجاز الزمخشري : وبدأ به أنْ تكون كلمة نصباً بمضمر أي : جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وهو تفسير لقوله : ضرب الله مثلاً، كقولك : شرف الأمير زيداً كساه حلة، وحمله على رس انتهى. وفيه تكلف إضمار لا ضرورة تدعو إليه.
وقرىء شاذاً كلمة طيبة بالرفع. قال أبو البقاء : على الابتداء، وكشجرة خبره انتهى. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير : هو أي المثل كلمة طيبة كشجرة، وكشجرة نعت لكمة، والكلمة الطيبة هي : لا له إلا الله قاله ان عباس، أو الإيمان قاله مجاهد وابن جريج، أو المؤمن نففسع قاله عطية العوفي والربيع، أو جميع طاعاته أو القرآن قاله الأصم، أو دعوة الإسلام قاله ابن بحر، أو الثناء على الله أو التسبيح والتنزيه والشجرة الطيبة المؤمن قاله ابن عباس، أو جوزة الهند قاله على وابن عباس، أو شجرة في الجنة قاله ابن عباس أيضاً، أو النخلة وعليه أكثر المتأولين وهو قول : ابن مسعود، وابن عباس، وأنس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وابن زيد، وجاء ذلك نصاً من حديث ابن عمر مما خرجه الدارقطني عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذكر الآية فقال :"أتدرون ما هي فوقع في نفسي أنها النخلة" الحديث. وقال أبو العالية : أتيت أنس بن مالك فجيء بطبق عليه رطب فقال أنس : كل يا أبا العالية، فإنها الشجرة الطيبة التي ذكرها الله في كتابه ثم قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بصاع بسر فتلا هذه الآية. وفي الترمذي من حديث أنس نحو هذا. وقال الزمخشري :
٤٢١
كل شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة، وشجرة التين، والعنب، والرمان، وغير ذلك انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
وقد شبه الرسول المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة، فلا يبعد أن يشبه أيضاً بشجرتها. أصلها ثابت أي : في الأرض ضارب بعروقه فيها. وقرأ نس بن مالك : كشجرة طيبة ثابت أصلها، أجريت الصفة على الشجرة لفظاً وإن كانت في الحقيقة للسبي. وقراءة الجماعة فيها إسناد الثبوت إلى السبي لفظاً ومعنى، وفيها حسن التقسيم، إذ جاء أصلها ثابت وفرعها في السماء، يريد بالفرع أعلاها ورأسها، وإن كان المشبه به ذا فروع، فيكون من باب الاكتفاء بلفظ الجنس. ومعنى في السماء : جهة العلو والصعود لا المظلة. وفي الحديث :"خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعاً" ولما شبهت الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة كانت الكلمة أصلها ثابت في قلوب أهل الإيمان، وما يصدر عنها من الأفعال الزكية والأعمال الصالحة هو فرعها يصعد إلى السماء إلى الله تعالى :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُا﴾ وما يترتب على ذلك العمل وهو ثواب الله هو جناها، ووصف هذه الشجرة بأربعة أوصاف : الأول قوله : طيبة، أي كريمة المنبت، والأصل في الشجرة له لذة في المطعم. قال الشاعر :
طيب الباءة سهل ولهمسبل إن شئت في وحش وعر
أي ساحتهم سهلة طيبة. الثاني : رسوخ أصلها، وذلك يدل على تمكنها، وأنّ الرياح لا تقصفها، فهي بطيئة الفناء، وما كان كذلك حصل الفرح بوجدانه. والثالث : علو فرعها، وذلك يدل على تمكن الشجرة ورسوخ عروقها، وعلى بعدها عن عفونات الأرض، وعلى صفائها من الشوائب. الرابع : ديمومة وجود ثمرتها وحضورها في كل الأوقات. والحين في اللغة قطعة من الزمان قال الشاعر :
تناذرها الراقون من سوء سمهاتطلقه حيناً وحيناً تراجع


الصفحة التالية
Icon