والمعنى : تعطي جناها كل وقت وقته الله له. وقال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والحسن، أي كل سنة، ولذلك قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والحكم، وحماد، وجماعة من الفقهاء : من حلف أنْ لا يفعل شيئاً حيناً فإنه لا يفعله سنة، واستشهدوا بهذه الآية. وقيل : ثمانية أشهر قاله علي ومجاهد، ستة أشهر وهي مدة بقاء الثمر عليها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
وقال ابن المسيب : الحين شهران، لأن النخلة تدوم مثمرة شهرين. وقيل : لا تتعطل من ثمر تحمل في كل شهر، وهي شجرة جوز الهند. وقال ابن عباس أيضاً والشحاك، والربيع : كل حين أي كل غدوة وعشية، ومتى أريد جناها ويتخرج على أنها شجرة في الجنة. والتذكر المرجو بضرب المثل هو التفهم والتصور للمعاني المدركة بالعقل، فمتى أبرزت بالمحسوسات لم ينازع فيها الحس والخيال والوهم، وانطبق المعقول على المحسوس، فحصل الفهم والوصول إلى المطلوب. والكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر على قول الجمهور. وقال مسروق : الكذب، وقال : إن تجر دعوة الكفر وما يعزى إليه الكافر. وقيل : كل كلام لا يرضاه الله تعالى. وقرأ أبي : وضرب الله مثلاً كلمة خبيثة، وقرىء : ومثل كلمة بنصب مثل عطفاً على كلمة طيبة. والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل قاله الأكثرون : ابن عباس، ومجاهد، وأنس بن مالك، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلّم. وقال الزجاج وفرقة : شجرة الثوم. وقيل : شجرة الكشوت، وهي شجرة لا ورق لها ولا أصل قال : وهي كشوت فلا أصل ولا ثمر. وقال ابن عطية :
٤٢٢
ويرد على هذه الأقوال أن هذه كلها من النجم وليست من الشجر، والله تعالى إنما مثل بالشجر فلا تسمى هذه شجرة إلا بتحوّز، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الثوم والبصل "من أكل من هذه الشجرة" وقيل : الطحلبة. وقيل : الكمأة. وقيل : كل شجر لا يطيب له ثمر. وعن ابن عباس : هي الكافر، وعنه أيضاً : شجرة لم تخلق على الأرض. وقال ابن عطية : والظاهر عندي أنّ التشبيه وقع بشجرة غير معينة، إذا وجدت منها هذه الأوصاف هو أن يكون كالعضاة أو شجرة السموم ونحوها إذا اجتثت أي : اقتلعت جثها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهي والضعف، فتقلبها أقل ريح. فالكافر يرى أنّ بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد الجاهل أنها شيء نافع، وهي خبيثة الجني غير نافعة انتهى. واجتثت من فوق الأرض مقابل لقوله : أصلها ثابت أي : لم يتمكن لها أصل ولا عرق في الأرض، وإنما هي نابتة على وجه الأرض. ما لها من قرار أي : استقرار. يقال : أقر الشيء قراراً ثبت ثباتاً، شبه بهذه الشجرة القول الذي لم يعضد بحجة، فهو لا يثبت بل يضمحل عن قريب لبطلانه، والقول الثابت هو الذي ثبت بالحجة والبرهان في قلب صاحبه وتمكن فيه، واطمأنت إليه نفسه. وتثبيتهم به في الدنيا كونهم لو فتنوا عن دينهم في الدنيا لثبتوا عليه وما زلوا، كما جرى لأصحاب الأخدود، والذين نشروا بالمناشير، وكشطت لحومهم بأمشاط الحديد، كما ثبت جرجيس وشمعون وبلال حتى كان يعذب بالرمضاء وهو يقول : أحد أحد. وتثبيتهم في الآخرة كونهم إذا سئلوا عند توافق الإشهاد عن معتقدهم ولم يتلعثوا، ولم يبهتوا، ولم تحيرهم أهوال الحشر. والذين آمنوا عام من لدن آدم إلى يوم القيامة. وقال طاووس وقتادة وجمهور من العلماء : أن تثبيتهم في الدنيا هو مدة حياة الإنسان، وفي الآخرة هو وقت سؤاله في قبره، ورجح هذا القول الطبري. وقال البراء بن عازب وجماعة : في الحياة الدنيا هي وقت سؤاله في قبره، ورواه البراء عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وفي الآخرة هو يوم القيامة عند العرض. وقيل : معنى تثبيته في الحياة الدنيا وفي الآخرة هو حياته على الإيمان، وحشره عليه. وقيل : التثبيت في الدنيا الفتح والنصر، وفي الآخرة الجنة والثواب. وما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلّم في حديث البراء من تلاوته عند إيعاد المؤمن في قبره، وسئل وشهد شهادة الإخلاص قوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا الآية، لا يظهر منه يعني : أن الحياة الدنيا هي حياة الإنسان، وأن الآخرة في القبر، ولا أن الحياة الدنيا هي في القبر، وأن الآخرة هي يوم القيامة، بل اللفظ محتمل. ومعنى يثبت : يديمهم عليه، ويمنعهم من الزلل. ومنه قول عبد الله بن رواحة :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
فثبت الله ما آتاك من حسنتثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا


الصفحة التالية
Icon