وقرأ ابن عباس، والضحاك، والحسن، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وعمرو بن قائد، وقتادة، وسلام، ويعقوب، ونافع في رواية : من كل بالتنوين، أي : من كل هذه المخلوقات المذكورات. وما موصولة مفعول ثان أي : ما شأنه أن يسأل بمعنى يطلب الانتفاع به. وقيل : ما نافية، والمفعول الثاني هو من كل كقوله :﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ﴾ أي غير سائليه. أخبر بسبوغ نعمته عليهم بما لم يسألوه من النعم، ولم يعرض لما سألوه. والجملة المنفية في موضع نصب على الحال، وهذا القول بدأ به الزمخشري، وثنى به ابن عطية وقال : إنه تفسير الضحاك. وهذا التفسير يظهر أنه مناف لقراءة الجمهور من كل ما سألتموه بالإضافة، لأنّ في تلك القراءة على ذلك التخريج تكون ما نافية، فيكونون لم يسألوه. وفي هذه القراءة يكونون قد سألوه، وما بمعنى الذي. وأجيز أن تكون مصدرية، ويكون المصدر بمعنى المفعول. ولما أحس الزمخشري بظهور التنافي بين هذه القراءة وبين تلك على تقدير أنّ ما نافية قال : ويجوز أن تكون ما موصولة على وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلح أحوالكم ومعائشكم إلا به، فكأنكم سألتموه، أو طلبتموه بلسان الحال. فتأول سألتموه بقوله : ما احتجتم إليه. والضمير في سألتموه إن كانت ما مصدرية عائد على الله تعالى، ويكون المصدر يراد به المسؤول. وإن كانت موصولة بمعنى الذي عاد عليها، والتقدير : من كل الذي سألتموه إياه. ولا يجوز أن يكون عائداً على الله. والرابط للصلة بالموصول محذوف، لأنك إن قدرته متصلاً فيكون التقدير : ما سألتموهوه، فلا يجوز. أو منفصلاً فيكون التقدير : ما سألتموه إياه، فالمنفصل لا يجوز حذف. والنعمة قال الواحدي : اسم أقيم مقام المصدر، يقال : أنعم إنعاماً ونعمة، أقيم الاسم مقام الانعام كقولك : أنفقت إنفاقاً ونفقة، ولذلك لم يجمع لأنه في معنى المصدر انتهى. والذي يظهر أن النعمة هو المنعم به، وأنه هو اسم جنس لا يراد به الواحد بل يراد به الجمع، كأنه قيل : وإن تعدوا نعمة الله ومعنى لا تحصوها، لا تحصروها ولا تطيقوا عدها، هذا إذا أرادوا أن يعدوها على الإجمال. وأما التفصيل فلا يقدر عليه، ولا يعلمه إلا الله. وقال أبو الدرداء : من لم ير نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه، وحضر عذابه. والمراد بالإنسان هنا الجنس أي : توجد فيه هذه الخلال وهي : الظلم، والكفر، يظلم النعمة بإغفال شكرها، ويكفرها بجحدها. وقيل : ظلوم في الشدة فيشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع. وفي النحل :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَآا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ والفرق بين الختمين : أنه هنا تقدم قوله : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفراً وبعده، وجعلوا لله أنداداً، فكان ذلك
٤٢٨
نصاً على ما فعلوا من القبائح من كفران النعمة والظلم الذي هو الشرك، بجعل الأنداد ناسب أن يحتم بذم من وقع ذلك منه، فجاء أن الإنسان لظلوم كفار. وأما في النحل فلما ذكر عدة تفضلات، وأطنب فيها، وقال :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ﴾ أي : من أوجد هذه النعم السابق ذكرها ليس كمن لا يقدر على الخلق ولا على شيء منه، ذكر من تفضلاته اتصافه بالعذاب والرحمة تحريضاً على الرجوع إليه، وأن هاتين الصفتين هو متصف بهما، كما هو متصف بالخلق، ففي ذلك إطماع لمن آمن به. وانتقل من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق أنه يغفر زلله السابق ويرحمه، وأيضاً فإنه لما ذكر أنه تعالى هو المتفضل بالنعم على الإنسان، ذكر ما حصل من المنعم، ومن جنس المنعم عل، فحصل من المنعم ما يناسبه حالة عطائه وهو الغفران والرحمة، إذ لولاهما لما أنعم عليه. وحصل من جنس المنعم عليه ما يناسبه حالة الإنعام عليه، وهو الظلم والكفران، فكأنه قيل : إن صدر من الإنسان ظلم فالله غفور، أو كفران نعمة فالله رحيم، لعلمه يعجز الإنسان وقصوره. ودعوى أن هذه الآية منسوخة بآية النحل لا يلتفت إليها، ونقل ذلك السخاوي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١٣
جنب مخففاً، وأجنب رباعياً لغة نجد، وجنب مشدداً لغة الحجاز، والمعنى : منع، وأصله من الجانب. الهوى : الهبوط بسرعة، قال الشاعر :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
وإذا رميت به الفجاج رأيتهتهوي مخارمها هوى الأجدل
شخص البصر أحد النظر، ولم يستقرّ في مكانه. المهطع : المسرع في مشيه. قال الشاعر :
بمهطع سرح كأن عنانهفي رأس جذع من أراك مشذب
وقال عمران بن حطان :
إذا دعانا فأهطعنا لدعوتهداع سميع فلبونا وساقونا
وقال أبو عبيدة : قد يكون الأهطاع الإسراع وإدامة النظر. المقنع : هو الرافع رأس المقبل ببصره على ما بين يديه، قاله ابن عرفة والقتبي. وقال الشاعر :
يباكرن العصاة بمقنعاتنواجذهن كالحدإ الوقيع
٤٢٩


الصفحة التالية
Icon