يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر، ويقال : أقنع رأسه نكسه وطأطأه، فهو من الأضداد. قال المبرد : وكونه بمعنى رفع أعرف في اللغة انتهى. وقيل : منه قنع الرجل إذا رضي، كأنه رفع رأسه عن السؤال. وفم مقنع معطوفة أسنانه إليه داخلاً، ورجل مقنع بالتشديد عليه بيضة الرأس معروف، ويجمع في القلة على أرؤس. الطرف : العين. وقال الشاعر :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتيحتى يواري جارتي مأواها
ويقال : طرف الرجل طبق جفنه على الآخر، وسمي الجفن طرفاً لأنه يكون فيه ذلك. الهواء : ما بين السماء والأرض، وهو الخلاء الذي لم تشغله الأجرام الكثيفة، واستعير للجبان فقيل : قلب فلان هواء. وقال الشاعر :
كأن الرجل منها فوق صعلمن الظلمات جؤجؤه هواء
المقرّن : المشدود في القرن، وهو الحبل. الصفد : الغل، والقيد يقال : صفده صفدا قيده، والاسم الصفد، وفي التكثير صفده مشدداً. قال الشاعر :
وأبقى بالملوك مصفدينا
وأصفدته : أعطيته. وقيل : صفد وأصفد معاً في القيد والإعطاء. قال الشاعر :
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد
أي : بالعطاء. وسمي العطاء صفداً لأنه يقيده ويعبد. السربال : القميص، يقال : سربلته فتسربل. القطران : ما يحلب من شجر الابهل فيطبخ، وتهنأ به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحره وحدته، وهو أقبل الأشياء اشتعالاً، ويقال فيه قطران بوزن سكران، وقطران بوزن سرحان.
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا الْبَلَدَ ءَامِنًا وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِا فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّه مِنِّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ : مناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر التعجيب من الذين بدلوا نعمة الله كفراً، وجعلوا لله أنداداً وهم قريش ومن تابعهم من العرب الذين اتخذوا آلهة من دون الله، وكان من نعم الله عليهم إسكانه إياهم حرمه، أردف ذلك بذكر أصلهم إبراهيم، وأنه صلوات الله عليه دعا الله تعالى أن يجعل مكة آمنة، ودعا بأنْ يجنب بنيه عبادة الأصنام، وأنه أسكنه وذريته في بيته ليعبدوه وحده بالعبادة التي هي أشرف العبادة وهي الصلاة، لينظروا في دين أبيهم، وأنه مخالف لما ارتكبوه من عبادة الأصنام، فيزدجروا ويرجعوا عنها. وتقدم الكلام على قوله هنا هذا البلد معرفاً، وفي البقرة منكراً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
وقال الزمخشري : هنا سأل في الأول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني أن يخرج من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال : هو بلد مخوف، فاجعله آمناً انتهى. ودعا إبراهيم أولاً بما هو على طاعة الله تعالى، وهو كون محل العابد أمناً لا يخاف فيه، إذ يتمكن من عبادة الله تعالى، ثم دعا ثانياً بأن يجنب هو وبنوه من عبادة الأصنام. ومعنى واجنبني وبني : أدمني وإياهم على اجتناب عبادة الأصنام. وأراد بقوله : وبنى أولاده، من صلبه الأقرباء. وأجابه الله تعالى فجعل الحرم آمناً، ولم يعبد أحد من بنيه الأقرباء لصلبه صنماً. قال سفيان بن عيينة : وقد سئل، كيف عبدت العرب الأصنام ؟ قال : ما عبد أحد من ولد إسماعيل صنماً وكانوا ثمانية، إنما كانت لهم حجارة ينصبوها ويقولون : حجر، فحيث ما نصبوا حجراً فهو بمعنى البيت، فكانوا يدورن بذلك الحجر ويسمونه الدوار انتهى.
قال ابن عطية : وهذا الدعاء من الخليل عليه السلام يقتضي إفراط خوفه على نفسه، ومن حصل في رتبته فكيف يخاف أن يعبد صنماً ؟ لكن هذه الآية ينبغي أن يقتدي بها في الخوف وطلب الخاتمة. وكرر النداء استعطافاً لربه تعالى، وذكر سبب طلبه : أن يجنب هو وبنوه عبادة الأصنام بقوله : إنهن أضللن كثيراً من الناس، إذ قد شاهد أباه
٤٣٠


الصفحة التالية
Icon