. وقرأ مسلمة بن عبد الله : تهوى بضم التاء مبنياً للمفعول من أهوى المنقولة بهمزة التعدية من هوى اللازمة، كأنه قيل : يسرع بها إليهم. وقرأ علي بن أبي طالب، وزيد بن علي، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، ومجاهد : تهوى مضارع هوى بمعنى أحب، ولما ضمن معنى النزوع والميل عدى بإلى. وارزقهم من الثمرات مع سكانهم وادياً ما فيه شيء منها بأن يجلب إليهم من البلاد كقوله :﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ وروي عن مسلم بن محمد الطائفي أنه لما دعا عليه السلام بأن يرزق سكان مكة الثمرات، بعث الله جبريل عليه السلام فاقتلع بجناحه قطعه من فلسطين. وقيل : من الأردن فجاء بها، وطاف بها حول البيت سبعاً، ووضعها قريب مكة فهي الطائف. وبهذه القصة سميت وهي موضع ثقيف، وبها أشجار وثمرات. وروى نحو منه عن ابن عباس. لعلهم يشكرون. قال الزمخشري النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة في واد بباب ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء، لا جرم أنّ الله عز وجل أجاب دعوة إبراهيم فجعله حرماً آمناً يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا، ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف، وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثماراً، وفي أي بلد من بلاد الشرق والغرب ترى الأعجوبة التي يريكها الله. بواد غير ذي زرع وهي : اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والسيفية والخريفية في يوم واحد، وليس ذلك من آياته بعجيب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُا وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَىْءٍ فِى الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ * الْحَمْدُ﴾ : كرر النداء للتضرع والالتجاء، ولا يظهر تفاوت بين إضافة رب إلى ياء المتكلم، وبين إضافته إلى جمع المتكلم، وما نخفي وما نعلن عام فيما يخفونه وما يعلنونه. وقيل : ما نخفي من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة، وما نعلن من البكاء والدعاء. وقيل : ما نخفي من كآبة الافتراق، وما نعلن مما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع : إلى من تكلنا ؟ قال : إلى الله أكلكم. قالت : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم. قالت : لا نخشى تركتنا إلى كاف. والظاهر أنّ قوله : وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، من كلام إبراهيم لاكتناف ما قبله وما بعده بكلام إبراهيم. لما ذكر أنه تعالى عمم ما يخفى هو ومن كنى عنه، تمم جميع الأشياء، وأنها غير خافية عنه تعالى. وقيل : وما يخفى الآية من كلام الله عز وجل تصديقاً لإبراهيم عليه السلام كقوله تعالى :﴿وَكَذَالِكَ يَفْعَلُونَ﴾ والظاهر أنْ
٤٣٣
هذه الجمل التي تكلم بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم تقع منه في زمان واحد، وإنما حكى الله عنه ما وقع في أزمان مختلفة، يدل على ذلك أن إسحاق لم يكن موجوداً حالة دعائه، إذ ترك هاجر والطفيل بمكة. فالظاهر أنّ حمده الله تعالى على هبة ولديه له كان بعد وجود إسحاق، وعلى الكبر يدل على مطلق الكبر، ولم يتعرض لتعيين المدة التي وهب له فيها ولداه. وروي أنه ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة. وقيل : إسماعيل لأربع وستين، وإسحاق لتسعين. وعن ابن جبير : لم يولد له إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة. وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنة فيها بهبة الولد أعظم من حيث أنّ الكبر مظنة اليأس من الولد، فإنّ مجيء الشيء بعد الإياس أحلى في النفس وأبهج لها. وعلى الكبر في موضع الحال لأنه قال : وأنا كبير، وعلى علي بابها من الاستعلاء لكنه مجاز، إذ الكبر معنى لا جرم يتكون، وكأنه لما أسنّ وكبر صار مستعلياً على الكبر. وقال الزمخشري : على في قوله على الكبر بمعنى مع، كقوله :
إني على ما ترين من كبريأعلم من حيث يؤكل الكتف
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon