بدجلة مهطعين إلى السماع. وقال الحسن : مقنعي رؤوسهم وجوه الناس يومئذ إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد انتهى. وقال ابن جريج : هواء صفر من الخير خاوية منه. وقال أبو عبيدة : جوف لا عقول لهم. وقال ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد : خربة خاوية ليس فيها خير ولا عقل. وقال سفيان : خالية إلا من فزع ذلك اليوم كقوله : وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً، أي : إلا من هم موسى. وهواء تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة، فهي منحرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور، وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي حناجرهم، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبداً في اضطراب. وحصول هذه الصفات الخمس للظالمين قبل المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله : يوم يقوم الحساب. وقيل : عند إجابة الداعي، والقيام من القبور. وقيل : عند ذهاب السعداء إلى الجنة، والأشقياء إلى النار.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
﴿وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَا أَوَلَمْ تَكُونُوا ﴾ :
٤٣٥
هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم. ويوم منصوب على أنه مفعول ثان لا نذر، ولا يصح أن يكون ظرفاً، لأنّ ذلك اليوم ليس بزمان للإنذار، وهذا اليوم هو يوم القيامة والمعنى : وأنذر الناس الظالمين، ويبين ذلك قوله : فيقول الذين ظلموا، لأن المؤمنين يبشرون ولا ينذرون. وقيل : اليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات، ولقاء الملائكة بلا بشرى كقوله :﴿لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ﴾ ومعنى التأخر إلى أجل قريب الرد إلى الدنيا قاله الضحاك، إذ الإمهال إلى أمد وحد من الزمان قريب قاله السدي، أي : لتدارك ما فرطوا من إجابة الدعوة، واتباع الرسل. أو لم تكونوا هو على إضمار القول والظاهر أنّ التقدير فيقال لهم، والقائل الملائكة، أو القائل الله تعالى. يوبخون بذلك، ويذكرون مقالتهم في إنكار البعث، وإقسامهم على ذلك كما قال تعالى :﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِم لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ﴾ ومعنى ما لكم من زوال، من الأرض بعد الموت أي : لا نبعث من القبور. وقال محمد بن كعب : إنّ هذا القول يكون منهم وهم في النار، ويرد عليهم : أو لم تكونوا، ومعناه التوبيخ والتقريع. وقال الزمخشري أو لم تكونوا أقسمتم على إرادة القول، وفيه وجهان : أن يقولوا ذلك بطراً وأشراً، ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه. وأن يقولوا بلسان الحال حيث بنوا شديداً، وأملوا بعيداً. وما لكم جواب القسم، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله : أقسمتم، ولو حكى لفظ المقسمين لقيل : ما لنا من زوال، والمعنى : أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزولون بالموت والفناء، وقيل : لا تنتقلون إلى دار أخرى انتهى. فجعل الزمخشري أو لم تكونوا محكياً بقولهم، وهو مخالف لما قد بيناه من أنه يقال لهم ذلك، وقوله : لا يزولون بالموت والفناء ليس بجيد، لأنهم مقرون بالموت والفناء. وقوله هو قول مجاهد. وسكنتم إن كان من السكون، فالمعنى : أنهم قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين بسيرة من قبلهم في الظلم والفساد، لا يحدثونها بما لقي الظالمون قبلهم. وإن كان من السكنى، فإنّ السكنى من السكون الذي هو اللبث، والأصل تعديته بفي كما يقال : أقام في الدار وقر فيها، ولكنه لما أطلق على سكون خاص تصرف فيه، فقيل : سكن الدار كما قيل : تبوأها، وتبين لكم بالخبر وبالمشاهدة ما فعلنا بهم من الهلاك والانتقام. وقرأ الجمهور : وتبين فعلاً ماضياً، وفاعله مضمر يدل عليه الكلام أي : وتبين لكم هو أي حالهم، ولا يجوز أن يكون الفاعل كيف، لأنّ كيف إنما تأتي اسم استفهام أو شرط، وكلاهما لا يعمل فيه ما قبله، إلا ما روي شاذاً من دخول على علي كيف في قولهم : على كيف تبيع الأحمرين، وإلى في قولهم : أنظر إلى كيف تصنع، وإنما كيف هنا سؤال عن حال في موضع نصب بفعلنا. وقرأ السلمي فيما حكى عنه أبو عمرو الداني : ونبين بضم النون، ورفع النون الأخيرة مضارع بين، وحكاها صاحب اللوامح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك على إضمار ونحن نبين، والجملة حالية. وقال المهدوي عن السلمي : إنه قرأ كذلك، إلا أنه جزم النون عطفاً على أو لم تكونوا أي : ولم نبين فهو مشارك في التقرير. وضربنا لكم الأمثال أي : صفات ما فعلوا وما فعل بهم، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم.
٤٣٦
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon