﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِا رُسُلَهُا إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ وَالسَّمَـاوَاتُا وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يومئذ مُّقَرَّنِينَ فِى الاصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِىَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَت إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هذا بَلَـاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِا وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الالْبَـابِ﴾ : الظاهر أنّ الضمير في مكروا عائد على المخاطبين في قوله :﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ﴾ أي مكروا بالشرك بالله، وتكذيب الرسل. وقيل : الضمير عائد على قوم الرسول كقوله :﴿وَأَنذِرِ النَّاسَ﴾ أي : وقد مكر قومك يا محمد، وهو الذي في قوله :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الآية ومعنى مكرهم أي : المكر العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم، والظاهر أنّ هذا إخبار من الله لنبيه بما صدر منهم في الدنيا، وليس مقولاً في الآخرة. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة للظلمة الذين سكن في منازلهم. وعند الله مكرهم أي : علم مكرهم فهو مطلع عليه، فلا ينفذ لهم فيه قصداً، ولا يبلغهم فيه أملاً أو جزاء مكرهم، وهو عذابه لهم. والظاهر إضافة مكر وهو المصدر إلى الفاعل، كما هو مضاف في الأول إليه كأنه قيل : وعند الله ما مكروا أي مكرهم. وقال الزمخشري : أو يكون مضافاً إلى المفعول على معنى : وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به، وهو عذابهم الذي يستحقونه، يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون انتهى. وهذا لا يصح إلا إن كان مكر يتعدى بنفسه كما قال هو، إذ قدر يمكرهم به، والمحفوظ أنّ مكر لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه. قال تعالى :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وتقول : زيد ممكور به، ولا يحفظ زيد ممكور بسبب كذا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩
وقرأ الجمهور : وإن كان بالنون. وقرأ عمرو، وعلي، وعبد الله، وأبي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وزيد بن علي : وإن كاد بدال مكان النون لتزول بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، وروي كذلك عن ابن عباس. وقرأ ابن عباس،
٤٣٧
ومجاهد، وابن وثاب، والكسائي كذلك، إلا أنهم قرؤوا وإن كان بالنون، فعلى هاتين القراءتين تكون إنْ هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وذلك على مذهب البصريين. وأما على مذهب الكوفيين فإن نافية، واللام بمعنى إلا. فمن قرأ كاد بالدال فالمعنى : أنه يقرب زوال الجبال بمكرهم، ولا يقع الزوال. وعلى قراءة كان بالنون، يكون زوال الجبال قد وقع، ويكون في ذلك تعظيم مكرهم وشدته، وهو بحيث يزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها. ويحتمل أن يكون معنى لتزول ليقرب زوالها، فيصير المعنى كمعنى قراءة كاد. ويؤيد هذا التأويل ما ذكره أبو حاتم من أنّ في قراءة أبيّ : ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال، وينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير لمخالفتها لسواد المصحف المجمع عليه. وقرأ الجمهور وباقي السبعة : وإن كان بالنون مكرهم لتزول بكسر اللام، ونصب الأخيرة. ورويت هذه القراءة عن علي، واختلف في تخريجها. فعن الحسن وجماعة أنّ إنْ نافية، وكان تامة، والمعنى : وتحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، ويؤيد هذا التأويل ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ : وما كان بما النافية : لكنّ هذا التأويل، وما روي عن ابن مسعود من قراءة وما بالنفي، يعارض ما تقدم من القراءات، لأنّ فيها تعظيم مكرهم، وفي هذا تحقيره. ويحتمل على تقدير أنها نافية أن تكون كان ناقصة، واللام لام الجحود، وخبر كان على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين : أهو محذوف ؟ أو هو الفعل الذي دخلت عليه اللام ؟ وعلى أنّ إنْ نافية وكان ناقصة، واللام في لتزول متعلقة بفعل في موضع خبر كان، خرجه الحوفي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon