وقرأ الرسول هذه الآية، وقيل : حين يشفع الرسول ويشفع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة، ورواه مجاهد عن ابن عباس. وقيل : إذا عاينوا القيامة ذكره الزجاج. وقيل : عند كل حالة يعذب فيها الكافر ويسلم المؤمن، ذكره ابن الأنباري. ثم أمر تعالى نبيه بأن ينذرهم، وهو أمر وعيد لهم وتهديد أي : ليسوا ممن يرعوي عن ما هو فيه من الكفر والتكذيب، ولا ممن تنفعه النصيحة والتذكير، فهم إنما حظهم حظ البهائم من الأكل والتمتع بالحياة الدنيا والأمل في تحصيلها، هو الذي يلهيهم ويشغلهم عن الإيمان بالله ورسوله. وفي قوله : يأكلوا ويتمتعوا، إشارة إلى أنّ التلذذ والتنعم وعدم الاستعداد للموت والتأهب له ليس من أخلاق من يطلب النجاة من عذاب الله في الآخرة، وعن بعض العلماء : التمتع في الدنيا من أخلاق الهالكين. وقال الحسن : ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل. وانجزم يأكلوا، وما عطف عليه جواباً للأمر. ويظهر أنه أمر بترك قتالهم وتخلية سبيلهم وبمهادنتهم وموادعتهم، ولذلك ترتب أن يكون جواباً، لأنه لو شغلهم بالقتال ومصالتة السيوف وإيقاع الحرب ما هنا هم أكل ولا تمتع، وبدل على ذلك أنّ السورة مكية، وإذا جعلت ذرهم أمراً بترك نصيحتهم وشغل باله بهم، فلا يترتب عليه الجواب، لأنهم يأكلون ويتمتعون سواء ترك نصيحتهم، أم لم يتركها. فسوف يعلمون : تهديد ووعيد أي : فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وما يؤولون إليه في الدنيا من الذل والقتل والسبي، وفي الآخرة من العذاب السرمدي. ولما توعدهم بما يحل بهم أردف ذلك بما يشعر بهلاكهم، وأنه لا يستبطأ، فإنّ له إجلالاً يتعداه، والمعنى : من أهل قرية كافرين. والظاهر أن المراد بالهلاك هلاك الاستئصال لمكذبي الرسل، وهو أبلغ في الزجر. وقيل : المراد الإهلاك بالموت، والواو في قوله : ولها، واو الحال. وقال بعضهم : مقحمة أي زائدة، وليس بشيء. وقرأ ابن أبي عبلة : بإسقاطها وقال الزمخشري : الجملة واقعة صفة لقرية، والقياس أنْ لا تتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى :﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ﴾ وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال : جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب انتهى. ووافقه على ذلك أبو البقاء فقال : الجملة نعت لقرية كقولك : ما لقيت رجلاً إلا عالماً قال : وقد ذكرنا حال الواو في مثل هذا في البقرة في قوله :﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشري وتبعه فيه أبو البقاء لا نعلم أحداً قاله من النحويين، وهو مبني على أنّ ما بعداً لا يجوز أن يكون صفة، وقد منعوا ذلك. قال : الأخفش لا يفصل بين الصفة والموصوف بالإثم، قال : ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره : إلا رجل راكب، وفيه قبح بجعلك الصفة كالإسم. وقال أبو علي الفارسي : تقول ما مررت بأحد إلا قائماً، فقائماً حال من أحد، ولا يجوز إلا قائم، لأنّ إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف. وقال ابن مالك : وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري من قوله : في نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه، أنّ الجملة بعد إلا صفة لأحد، أنه مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي، فلا يلتفت إليه. وأبطل ابن مالك قول الزمخشري أنّ الواو توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف. وقال القاضي منذر بن سعيد : هذه الواو هي التي تعطي أنّ الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو، ومنه قوله تعالى :﴿إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤١
والظاهر أنّ الكتاب المعلوم هو الأجل الذي كتب في اللوح وبين، ويدل على ذلك ما بعده. وقيل : مكتوب فيه أعمالهم وأعمارهم وآجال هلاكهم. وذكر الماوردي : كتاب معلوم أي :
٤٤٥
فرض محتوم، ومن زائدة تفيد استغراق الجنس أي : ما تسبق أمة، وأنث أجلها على لفظ أمة وجمع وذكر في وما يستأخرون حملاً على المعنى، وحذف عنه لدلالة الكلام عليه.


الصفحة التالية
Icon