وقصته مع عدوه إبليس ليحذرهم من كيده، ولينظروا ما جرى له معه حتى أخرجه من الجنة مقر السعادة والراحة، إلى الأرض مقر التكليف والتعب، فيتحرزوا من كيده، ومن حمإ قال الحوفي بدل من صلصال، بإعادة الجار. وقال أبو البقاء : من حمإ في موضع جر صفة لصلصال. وقال ابن عباس : المسنون الطين ومعناه المصبوب، لأنه لا يكون مصبوباً إلا وهو رطب، فكنى عن المصبوب بوصفه، لأنه موضوع له. وقال مجاهد وقتادة ومعمر : المنتن. قال الزمخشري : من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به، فالذي يسيل بينهما سنين ولا يكون إلا منتناً. وقال غيره : من أسن الماء إذا تغير، ولا يصح لاختلاف المادتين. وقيل : مصبوب من سننت التراب والماء إذا صببته شيئاً بعد شيء، فكان المعنى : أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها. قال الزمخشري : وحمأ مسنون بمعنى مصور أنْ يكون صفة لصلصال، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصال ثم غيره بعد ذلك إلى جوهر آخر انتهى. وقيل : المسنون المصور من سنة الوجه، وهي صورته. قال الشاعر :
تريك سنة وجه غير مقرفة
وقيل : المسنون المنسوب أي : ينسب إليه ذريته.
والجان : هو أبو الجن، قاله ابن عباس. قال الزمخشري : والجان للجن كآدم للناس. وقال الحسن وقتادة : هو إبليس، خلق قبل آدم. وقال ابن بحر : هو اسم لجنس الجن، والإنسان المراد به آدم، ومن قبل أي : من قبل خلق الإنسان. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : والجأن بالهمز. والسموم قال ابن عباس : الريح الحارة التي تقتل. وعنه : نار لا دخان لها، منها تكون الصواعق. وقال الحسن : نار دونها حجاب. وعن ابن عباس : نفس النار، وعنه : لهب النار. وقيل : نار اللهب السموم. وقيل : أضاف الموصوف إلى صفته أي : النار السموم. وسويته أكملت خلقه، والتسوية عبارة عن الإتقان، وجعل أجزائه مستوية فيما خلقت. ونفخت فيه من روحي أي : خلقت الحياة فيه، ولا نفخ هناك، ولا منفوخ حقيقة، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيي به فيه. وأضاف الروح إليه تعالى على سبيل التشريف نحو : بيت الله، وناقة الله، أو الملك إذ هو المتصرف في الإنشاء للروح، والمودعها حيث يشاء. وقعوا له أي : اسقطوا على الأرض. وحرف الجر محذوف من أن أي : ما لك فيأن لا تكون. وأي : داع دعا بك إلى إبائك السجود. ولا سجد اللام لام الجحود، والمعنى : لا يناسب حالي السجود له. وفي البقرة نبه على العلة المانعة له وهي الاستكبار أي : رأى نفسه أكبر من أن يسجد. وفي الأعراف صرح بجهة الاستكبار، وهي ادعاء الخيرية والأفضلية بادعاء المادة المخلوق منها كل منهما. وهنا نبه على مادة آدم وحده، وهنا فاخرج منها وفي الأعراف :﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا﴾ وتقدم ذكر الخلاف فيما يعود عليه ضمير منها. وقد تقدمت منها مباحث في سورة البقرة، والأعراف، أعادها المفسرون هنا، ونحن نحيل على ما تقدم إلا ما له خصوصية بهذه السورة فنحن نذكره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٢
فتقول : وضرب يوم الدين غاية للعنة، إما لأنه أبعد غاية يضر بها الناس في كلامهم، وإما أن يراد أنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه. ويوم الدين، ويوم يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، واحد. وهو وقت النفخة الأولى حتى تموت الخلائق. ووصف بالمعلوم إما لانفراد الله بعلمه كما قال :﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ أو لأنه معلوم فناء العالم فيه، فيكون قد عبر بيوم الدين، وبيوم يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، بما كان قريباً من ذلك اليوم. قال الزمخشري : ومعنى إغوائه إياه نسبته لغيه، بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام، فافضى ذلك إلى غيه. وما الأمر بالسجود الأحسن، وتعريض للثواب بالتواضع، والخضوع لأمر الله،
٤٥٣


الصفحة التالية
Icon