وهي علامة الرفع. قال الحسن : فبم تبشرون على وجه الاحتقار وقلة المبالاة بالمبشرات لمضي العمر واستيلاء الكبر. وقال مجاهد : عجب من كبره وكبر امرأته، وتقدم ذكر سنة وقت البشارة. وبالحق أي باليقين الذي لا لبس فيه، أو بالطريقة التي هي حق، وهي قول الله ووعده وأنه قادر على أنْ يوجد ولداً من غير أبوين، فكيف من شيخ فانٍ، وعجوز عاقر. وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، ورويت عن أبي عمرو : من القنطين، من قنط يقنط. وقرأ النحويان والأعمش : ومن يقنط. وهو استفهام في ضمنه النفي، ولذلك دخلت إلا في قوله : إلا الضالون وقولهم له : فلا تكن من القانطين نهي، والنهي عن الشيء لا يدل على تلبس المنهى عنه به ولا بمقارنته. وقوله : ومن يقنط ردّ عليهم، وأن المحاورة في البشارة لا تدل على القنوط، بل ذلك على سبيل الاستبعاد لما جرت به العادة. وفي ذلك إشارة إلى أنّ هبة الولد على الكبر من رحمة الله، إذ يشد عضد والده به ويؤازره حالة كونه لا يستقل ويرث منه علمه ودينه. ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * إِلا ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا امْرَأَتَه قَدَّرْنَآا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَـابِرِينَ * فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَـاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ * وَأتَيْنَـاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَـادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَـارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَالِكَ الامْرَ أَنَّ دَابِرَ هَـؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ : لما بشروه بالولد راجعوه في ذلك، علم أنهم ملائكة الله ورسله، فاستفهم بقوله : فما خطبكم ؟ الخطب لا يكاد يقال إلا في الأمر الشديد، فأضافه إليهم من حيث أنهم حاملوه إلى أولئك القوم المعذبين. ونكر قوماً وصفتهم تقليلاً لهم واستهانة بهم، وهم قوم لوط أهل مدينة سدوم
٤٥٩
والمعنى : أرسلنا بالهلاك. وإلا آل لوط : يحتمل أن يكون استثناء من الضمير المستكن في مجرمين والتقدير : أجرموا كلهم إلا آل لوط، فيكون استثناء متصلاً، والمعنى : إلا آل لوط فإنهم لم يجرموا. ويكون قوله : إنا لمنجوهم أجمعين، استئناف إخبار عن نجاتهم، وذلك لكونهم لم يجرموا، ويكون حكم الإرسال منسحباً على قوم مجرمين وعلى آل لوط لإهلاك هؤلاء، وإنجاء هؤلاء. والظاهر أنه استثناء منقطع، لأنّ آل لوط، ولا على عموم الشمول لتنكير قوم مجرمين، ولانتفاء وصف الإجرام عن آل لوط. وإذا كان استثناء فهو مما يجب فيه النصب، لأنه من الاستثناء الذي لا يمكن بوجه العامل على المستثنى فيه، لأنهم لم يرسلوا إليهم أصلاً، وإنما أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة. ويكون قوله : إنا لمنجوهم جرى مجرى خبر، لكن في اتصاله بآل لوط، لأن المعنى : لكن آل لوط منجون. وقد زعم بعض النحويين في الاستثناء المنقطع المقدر بلكن إذا لم يكن بعده ما يصح أن يكون خبراً أنّ الخبر محذوف، وأنه في موضع رفع لجريان إلا وتقديرها بلكن.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٥
قال الزمخشري : فإن قلت : فقلوه إلا امرأته مم استثنى، وهل هو استثناء من استثناء ؟ قلت : استثنى من الضمير المجرور في قوله : لمنجوهم، وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيء، لأن الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، وأن يقال : أهلكناهم إلا آل لوط إلى امرأته، كما اتحد الحكم في قول المطلق : أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إلا واحدة، وفي قول المقر لفلان : عليّ عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهماً. فأما في الآية فقد اختلف الحكان، لأنّ إلا آل لوط متعلق بأرسلنا أو بمجرمين، وإلا امرأته قد تعلق بمنجوهم، فأنى يكون استثناء من استثناء : انتهى. ولما استسلف الزمخشري أن إلا امرأته مستثنى من الضمير المجرور في لمنجوهم، لم يجوز أن يكون استثناء من استثناء. ومن قال : إنه استثناء فيمكن تصحيح كلامه بأحد وجهين : أحدهما : أنه لما كان الضمير في لمنجوهم عائد على آل لوط، وقد استثنى منه المرأة، صار كأنه مستثنى من آل لوط، لأنّ المضمر هو الظاهر في المعنى. والوجه الآخر : أن قوله : إلا آل لوط، لما حكم عليهم بغير الحكم علي قوم مجرمين اقتضى ذلك نجاتهم، فجاء قوله : إنا لمنجوهم أجمعين تأكيداً لمعنى الاستثناء، إذ المعنى إلا آل لوط، فلم يرسل إليهم بالعذاب، ونجاتهم مترتبة على عدم الإرسال إليهم بالعذاب، فصار نظير قولك : قام القوم إلا زيداً، فإنه لم يقم وإلا زيداً لم يقم. فهذه الجملة تأكيد لما تضمنه الاستثناء من الحكم على ما بعد إلا بضد الحكم السابق على المستثنى منه، فإلا امرأته على هذا التقرير الذي قررناه استثناء من آل لوط، لأن الاستثناء مما جيء به للتأسيس أولى من الاستثناء مما جيء به للتأكيد.


الصفحة التالية
Icon