وقرأ الأخوان : لمنجوهم بالتخفيف، وباقي السبعة بالتشديد. وقرأ أبو بكر : قدرنا بالتخفيف، وباقي السبعة بالتشديد، وكسرت إنها إجراء لفعل التقدير مجرى العلم، إما لكونه بمعناه، وإما لترتبه عليه. وأسندوا التقدير إليهم، ولم يقولوا : قدر الله، لأنهم هم المأمورون بإهلاكهم كما يقول من يلوذ بالملك ومن هو متصرف بأوامره : أمرنا بكذا، والآمر هو الملك. وقال الزمخشري : لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم انتهى. فأدرج مذهب الاعتزال في تفضيل الملائكة في غضون كلامه، ووصف قوم
٤٦٠
بمنكرون لأنه نكرتهم نفسه ونفرت منهم، وخاف أن يطرقوه بشر. وبل إضراب عن قول محذوف أي : ما جئناك بشيء تخافه، بل جئناك بالعذاب لقومك، إذ كانوا يمترون فيه أي : يشكون في وقوعه، أو يجادلونك فيه تكذيباً لك بما وعدتهم عن الله. ويحتمل أن يكون نكرهم لكونهم ليسوا بمعروفين في هذا القطر، فخاف الهجوم منهم عليه، أو أن يتعرض إليهم أحد من قومه إذ كانوا في صورة شباب حسان مرد. وأتيناك بالحق أي : باليقين من عذابهم، وإنا لصادقون في الإخبار لحلوله بهم. وتقدم الخلاف في القراءة في فأسر. وروى صاحب الإقليد فسر من السير، وحكاها ابن عطية وصاحب اللوامح عن اليماني. وحكى القاضي منذر بن سعيد أنّ فرقة قرأت بقطع بفتح الطاء، وتقدم الكلام في القطع وفي الالتفات في سورة هود. وخطب الزمخشري هنا فقال :(فإن قلت) : ما معنى أمره باتباع أدبارهم، ونهيهم عن الالتفات ؟ (قلت) : قد بعث الله الهلاك على قومه ونجاه وأهله، إجابة لدعوته عليهم، وخرج مهاجراً فلم يكن بد من الاجتهاد في شكر الله وإدامة ذكره وتفريغ باله، لذلك فأمر بأن يقدمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعاً عليهم وعلى أهوالهم، فلا يفرط منهم التفاتة احتشاماً منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحالة المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه، وليكون مسيره مسير الهارب الذي تقدم سريه وتفوت به.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٥
وحيث تؤمرون قال ابن عباس : الشام. وقيل : موضع نجاة غير معروف. وقيل : مصر. وقيل : إلى أرض الخليل بمكان يقال له اليقين. وحيث على بابها من أنها ظرف مكان، وادعاء أنها قد تكون هنا ظرف زمان من حيث أنه ليس في الآية أمر إلا قوله : فأسر بأهلك بقطع من الليل، ثم قيل له : حيث تؤمر ضعيف. ولفظ تؤمر يدل على خلاف ذلك، إذ كان يكون التركيب من حيث أمرتم، وحيث من الظروف المكانية المبهمة، ولذلك يتعدّى إليها الفعل وهو : امضوا بنفسه، تقول : قعدت حيث قعد زيد، وجاء في الشعر دخول في عليها. قال الشاعر :
فأصبح في حيث التقينا شريدهمطليق ومكتوف اليدين ومرعف
ولما ضمّن قضينا معنى أوحينا، تعدت تعديها بإلى أي : وأوحينا إلى لوط مقضياً مبتوتاً، والإشارة بذلك إلى ما وعده تعالى من إهلاك قومه. وأنّ دابر تفخيم للأمر وتعظيم له، وهو في موضع نصب على البدل من ذلك قاله الأخفش، أو على إسقاط الباء أي بأنّ دابراً قاله الفراء، وجوزه الحوفي. وأنّ دابر هؤلاء مقطوع كناية عن الاستئصال. وتقدم تفسير مثله في قوله :﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ ومصبحين داخلين في الصباح، وهو حال من الضمير المستكن في مقطوع على المعنى، ولذلك جمعه وقدره الفراء وأبو عبيد : إذا كانوا مصبحين، كما تقول : أنت راكباً أحسن منك ماشياً، فإن كان تفسير معنى فصحيح، وإن أراد الإعراب فلا ضرورة تدعو إلى هذا التقدير. وقرأ الأعمش وزيد بن علي : إن دابر بكسر الهمزة لما ضمن قضينا معنى أوحينا، فكان المعنى : أعلمنا، علق الفعل فكسر إنْ أو لما كان القضاء بمعنى الإيحاء معناه القول كسران، ويؤيده قراءة عبد الله. وقلنا : إنّ دابر وهي قراءة تفسير لا قرآن، لمخالفتها السواد. والمدينة : سدوم، وهي التي ضرب بقاضيها المثل في الجور.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٥