﴿وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَـؤُلاءِ ضَيْفِى فَلا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَـالَمِينَ * قَالَ هَـؤُلاءِ بَنَاتِى إِن كُنتُمْ فَـاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَـالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ * إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ * إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ : استبشارهم : فرحهم بالأضياف الذين وردوا على لوط عليه السلام. والظاهر أنّ هذا المجيء ومحاورته مع قومه في حق أضيافه، وعرضه بناته عليهم، كان ذلك كله قبل إعلامه بهلاك قومه وعلمه بأنهم رسل الله، ولذلك سماهم ضيفان خوف الفضيحة، لأجل تعاطيهم ما لا يجوز من الفعل القبيح. وقد جاء ذلك مرتباً هكذا في هود، والواو لا ترتب. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المجيء والمحاورة بعد علمه بهلاكهم، وخاور تلك المحاورة على جهة التكتم عنهم، والإملاء لهم، والتربص بهم انتهى. ونهاهم عن فضحهم إياه لأنّ من أساء إلى ضيفه أو جاره فقد أساء إليه. ولا تخزون من الخزي وهو الإذلال، أو من الخزاية وهو الاستحياء. وفي قولهم : أو لم ننهك دليل على تقدم نهيهم إياه عن أن يضيف، أو يجبر أحداً، أو يدفع عنه، أو يمنع بينهم وبينة، فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد. وكان هو صلى الله على نبينا وعليه يقوم بالنهي عن المنكر، والحجز بينهم وبين من تعرضوا له، فأوعدوه بأنه إنْ لم ينته أخرجوه. وتقدم الكلام في قوله : بناتي، ومعنى الإضافة في هود. وإن كنتم فاعلين شك في قبولهم لقوله : كأنه قال إن فعلتم ما أقول، ولكم ما أظنكم تفعلون. وقيل : إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم. واللام في لعمرك لام الابتداء، والكاف خطاب للوط عليه السلام، والتقدير : قالت الملائكة للوط لعمرك، وكنى عن الضلالة والغفلة بالسكرة أي : تحبرهم في غفلتهم، وضلالتهم منعهم عن إدراك الصواب الذي يشير به من ترك البنين إلى البنات. وقيل : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو قول الجمهور ابن عباس، وأبو الحوراء، وغيرهما. أقسم تعال بحياته تكريماً له. والعمر : بفتح العين وضمها البقاء، وألزموا الفتح القسم، ويجوز حذف اللام، وبذلك قرأ ابن عباس : وعمرك. وقال أبو الهيثم : لعمرك لدينك الذي يعمر، وأنشد :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٥
أيها المنكح الثريا سهيلاعمرك الله كيف يلتقيان
أي : عبادتك الله. وقال ابن الأعرابي : عمرت ربي أي عبدته، وفلان عامر لربه أي عابد. قال : ويقال تركت فلاناً يعمر ربه أي يعبده، فعلى هذا لعمرك لعبادتك. وقال الزجاج : ألزموا الفتح القسم لأنه أخف عليهم، وهم يكثرون القسم بالعمرى ولعمرك فلزموا الأخف، وارتفاعه بالابتداء، والخبر محذوف أي : ما أقسم به. وقال بعض أصحاب المعاني : لا يجوز أن يضاف إلى الله، لأنه لا يقال لله تعالى عمر، وإنما يقال : هو أزلي، وكأنه يوهم أنّ العمر لايقال إلا فيما له انقطاع، وليس كذلك العمر، والعمر البقاء. قال الشاعر :
إذا رضيت عليّ بنو قشيرلعمر الله أعجبني رضاها
وقال الأعشى :
ولعمر من جعل الشهور علامةفبين منها نقصها وكمالها
وكره النخعي أن يقال : لعمري، لأنه حلف بحياة المقسم. وقال النابغة :
لعمري وما عمري عليّ بهين
والضمير في سكرتهم عائد على قوم لوط، وقال الطبري : لقريش، وهذا مروي عن ابن عباس. قال : ما خلق الله نفساً أكرم على الله من محمد قال له : وحياتك إنهم أي قومك من قريش لفي سكرتهم أي ضلالهم، وجهلهم يعمهون يتردّدن. قال ابن عطية : وهذا بعيد لانقطاعه مما قبله وما بعده. وقرأ الأشهب : سكرتهم بضم السين، وابن أبي عبلة : سكراتهم بالجمع، والأعمش : سكرهم بغير تاء، وأبو عمرو في رواية الجهضمي : أنهم بفتح همزة أنهم. والصبحة : صبحة الهلاك. وقيل : صوت جبريل عليه السلام. وقال ابن عطية : هي صيحة الوحشة، وليست كصيحة ثمود
٤٦٢
مشرقين : داخلين في الشروق، وهو بزوغ الشمس. وقيل : أول العذاب كان عند الصبح، وامتد إلى شروق الشمس، فكأنه تمام الهلاك عند ذلك. والضمير في عاليها سافلها عائد على المدينة المتقدّمة الذكر. وقال الزمخشري : لقرى قوم لوط، ولم يتقدم لفظ القرى. وقال مقاتل وابن زيد : للمتوسمين، للمتفكرين. وقال الضحاك : للناظرين. قال الشاعر :
أو كلما وردت عكاظ قبيلةبعثوا إلى عريفهم يتوسم


الصفحة التالية
Icon