وقرأ الجمهور : والقرآن العظيم بالنصب. فإن عني بالسبع الفاتحة أو السبع الطوال لكان ذلك من عطف العام على الخاص، وصار الخاص مذكوراً مرتين. إحداهما : بجهة الخصوص، والأخرى : بجهة العموم. أو لأنّ ما دون الفاتحة أو السبع الطوال ينطلق عليه لفظ القرآن، إذ هو اسم يقع على بعض الشيء، كما يقع على كله. وإنْ عنى الإسباع فهو من باب عطف الشيء على نفسه، من حيث أنّ المعنى : ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي : الجامع لهذين المعنيين وهو الثناء والتنبيه والعظم. وقرأت فرقة : والقرآن العظيم بالخفض عطفاً على المثاني. وأبعد من ذهب إلى أنّ الواو مقحمة، والتقدير : سبعاً من المثاني القرآن العظيم. ولما ذكر تعالى ما أنعم به على رسوله صلى الله عليه وسلّم من إتيانه ما آتاه، نهاه. وقد قلنا : إنّ النهي لا يقتضي الملابسة ولا المقاربة عن طموح عينه إلى شيء من متاع الدنيا، وهذا وإن كان خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلّم فالمعنى : نهى أمته عن ذلك لأنّ من أوتي القرآن شغله النظر فيه وامتثال تكاليفه وفهم معانيه عن الاشتغال بزهرة الدنيا. ومد العين للشيء إنما هو لاستحسانه وإيثاره. وقال ابن عباس : أي لا تتمن ما فضلنا به أحداً من متاع الدنيا أزواجاً منهم، أي رجالاً مع نسائهم، أو أمثالاً في النعم، وأصنافاً من اليهود والنصارى والمشرين أقوال. ونهاه تعالى عن الحزن عليهم إن لم يؤمنوا، وكان كثير الشفقة على من بعث إليه، وادًّا أن يؤمنوا بالله كلهم، فكان يلحقه الحزن عليهم. نهاه تعالى عن الحزن عمن لم يؤمن، وأمره بخفض جناحه لمن آمن، وهي كناية عن التلطف والرفق. وأصله : أنّ الطائر إذا ضم الفرخ إليه بسط جناحه لم ثم قبضه على فرخه، والجناحان من ابن آدم جانباه. ثم أمره أن يبلغ أنه هو النذير الكاشف لكم ما جئت به إليكم من تعذيبكم إنْ لم تؤمنوا، وإنزال نقم الله المخوفة بكم. والكاف قال الزمخشري : فيه وجهان : أحدهما : أن يتعلق بقوله : ولقد آتيناك أي : أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب، وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين، حيث قالوا بعنادهم وعداوتهم : بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، فاقتسموه إلى حق وباطل، وعصوه. وقيل : كانوا يستهئون به فيقول بعضهم : سورة البقرة لي، ويقول الآخر : سورة آل عمران لي. ويجوز أن يراد بالقرآن ما يقرؤونه من كتبهم، وقد اقتسموه بتحريهم، وبأن اليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم وقولهم : سحر، وشعر، وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم. والثاني : أن يتعلق بقوله تعالى : وقل أني أنا النذير المبين، وأنذر قريشاً مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين يعني : اليهود، هو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة
٤٦٦
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٥
الواقع، وهو من الإعجاز لأنه إخبار بما سيكون وقد كان. ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوباً بالنذير أي : أنذر المعضين الذين يجزؤون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم : الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فقعدوا في كل مدخل
٤٦٧