ورويت تفاسير في : ما لا تعلمون في الحديث عن ابن عباس، ووهب بن منبه، والشعبي، الله أعلم بصحتها. ويقال : لما ذكر الحيوان الذي ينتفع به انتفاعاً ضرورياً وغير ضروري، أعقب بذكر الحيوان الذي لا ينتفع به غالباً على سبيل الإجمال، إذ تفاصيله خارجة عن الإحصاء والعد، والقصد مصدر يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، والسبيل هنا مفرد اللفظ. فقيل : مفرد المدلول، وأل فيه للعهد، وهي سبيل الشرع، وليست للجنس، إذ لو كانت له لم يكن منها جائز. والمعنى : وعلى الله تبين طريق الهدى، وذلك بنصب الأدلة وبعثة الرسل. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى : إنّ من سلك الطريق القاصد فعلى الله رحمته ونعيمه وطريقه، وإلى ذلك مصيره. وعلى أنّ للعهد يكون الضمير في قوله : ومنها جائز، عائد على السبيل التي يتضمنها معنى الآية، كأنه قيل : ومن السبيل جائر، فأعاد عليها وإن لم يجر لها ذكر، لأنّ مقابلها يدل عليها. قال ابن عطية : ويحتمل أن يعود منها على سبيل الشرع، وتكون مِن للتبعيض، والمراد : فرق الضلالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم. كأنه قال : ومن بنيات الطرق في هذه السبيل، ومن شعبها. وقيل : أل في السبيل للجنس، وانقسمت إلى مصدر وهو طريق الحق، وإلى جائر وهو طريق الباطل، والجائر العادل عن الاستقامة والهداية كما قال :
يجور بها الملاح طوراً ويهتدي
وكما قال الآخر :
ومن الطريقة جائر وهدىقصد السبيل ومنه ذو دخل
قسم الطريقة : إلى جائر، وإلى هدى، وإلى ذي دخل وهو الفساد. وقال الزمخشري : ومعنى قوله : وعلى الله قصد السبيل إنّ هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه لقوله :﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ (فإن قلت) : لم غير أسلوب الكلام في قوله : ومنها جائر ؟ (قلت) : ليعلم بما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز، ولو كان كما تزعم المجبرة لقيل : وعلى الله قصد السبيل، وعليه جائرها، أو وعليه الجائر. وقرأ عبد الله : ومنكم جائر يعني ومنكم جائر عن القصد بسواء اختياره، والله بريء منه. ولو شاء لهداكم أجمعين قسراً والجاء انتهى. وهو تفسير على طريقة الاعتزال. وقيل : الضمير في ومنها يعود على الخلائق أي : ومن الخلائق جائر عن الحق. ويؤيده قراءة عيسى : ومنكم جائر، وكذا هي في مصحف عبد الله، وقراءة علي : فمنكم جائر بالفاء. قال ابن عباس : هم أهل الملل المختلفة. وقيل : اليهود والنصارى والمجوس. ولهداكم : لخلق فيكم الهداية، فلم يضل أحد منكم، وهي مشيئة الاختيار. وقال الزجاج : لفرض عليكم آية تضطركم إلى الاهتداء والإيمان. قال ابن عطية : وهذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون أن الله لا يخلق أفعال العباد، لم يحصله الزجاج، ووقع فيه رحمة الله من غير قصد انتهى. ولم يعرف ابن عطية أنّ الزجاج معتزلي، فلذلك تأول أنه لم يحصله، وأنه وقع فيه من غير قصد. وقال أبو علي : لو شاء لهداكم إلى الثواب، أو إلى الجنة بغير استحقاق. وقال ابن زيد : لو شاء لمحض قصد السبيل دون الجائر. ومفعول شاء محذوف لدلالة لهداكم أي : ولو شاء هدايتكم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧١
﴿يُنابِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالاعْنَـابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَا وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتُا بِأَمْرِهِا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى الارْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ : مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما امتن بإيجادهم بعد العدم وإيجاد ما ينتفعون به من الأنعام وغيرها من الركوب، ذكر ما امتن به عليهم من إنزال الماء الذي هو قوام حياتهم وحياة الحيوان، وما يتولد عنه من أقواتهم وأقواتها من الزرع، وما عطف عليه فذكر منها الأغلب، ثم عمم بقوله : ومن كل الثمرات، ثم أتبع ذلك بخلق الليل الذي هو سكن لهم، والنهار الذي هو معاش، ثم بالنيرين اللذين جعلهما الله تعالى مؤثرين بإرادته في إصلاح ما يحتاجون إليه، ثم بما ذرأ في الأرض.