والمعنى : أنه نفى عنهم علم ما انفرد بعلمه الحي القيوم، وهو وقت البعث إذا أريدبالبعث الحشر إلى الآخرة. وقيل : تم الكلام عند قوله : وما يشعرون. وأيان يبعثون ظرف لقوله : آلهكم إله واحد، أخبر عن يوم القيامة أنّ الإله فيه واحد انتهى. ولا يصح هذا القول لأنّ أيان إذ ذاك تخرج عما استقر فيها من كونها ظرفاً، إما استفهاماً، وإما شرطاً. وفي هذا التقدير تكون ظرفاً بمعنى وقت مضافاً للجملة بعدها، معمولاً لقوله : واحد، كقولك : يوم يقوم زيد قائم. وفي قوله : أيان يبعثون دلالة على أنه لا بد من البعث، وأنه من لوازم التكليف. ولما ذكر تعالى ما اتصفت به آلهتهم بما ينافي الألوهية، أخبر تعالى أنّ إله العالم هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ وأن الذين لا يؤمنون بالجزاء بعد وضوح بطلان أن تكون الإلهية لغيره بل له وحده، هم مستمرون على شركهم، منكرون وحدانيته، مستكبرون عن الإقرار بها، لاعتقادهم الإلهية لأصنامهم وتكبرها في الوجود. ووصفهم بأنهم لا يؤمنون بالآخرة مبالغة في نسبة الكفر إليهم، إذ عدم التصديق بالجزاء في الآخرة يتضمن التكذيب بالله تعالى وبالبعث، إذ من آمن بالبعث يستحيل أن يكذب الله عز وجل. وقيل : مستكبرون عن الإيمان برسول الله وأتباعه. وقال العلماء : كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان. وفي الحديث الصحيح :"إن المستكبرين يجيؤون أمثال الذر يوم القيامة، يطؤهم الناس بأقدامهم" أو كما قال صلى الله عليه وسلّم، وتقدم الكلام في ﴿لا جَرَمَ﴾ في هود. وقرأ عيسى الثقفي إن بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله. وقال بعض أصحابنا : وقد يغني لا جرم عن لفظ القسم، تقول : لا جرم لآتينك، فعلى هذا يكون لقوله : إن الله بكسر الهمزة تعلق بلا جرم، ولا يكون استئنافاً. وقد قال بعض الأعراب لمرداس الخارجي : لا جرم والله لأفارقنك أبداً، نفى كلامه تعلقها بالقسم. وفيقوله : يعلم ما يسرون وما يعلنون وعيد وتنبيه على المجازاة، وقال يحيى بن سلام، والنقاش : المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي صلى الله عليه وسلّم انتهى. ولا يحب المستكبرين عام في الكافرين والمؤمنين، يأخذ كل واحد منهم بقسطه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧١
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُم قَالُوا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ * لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَـامَةِا وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍا أَلا سَآءَ مَا يَزِرُونَ * قَدْ﴾ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول ﴿أَيْنَ شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَـا قُّونَ فِيهِم قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْىَ الْيَوْمَ وَالسُّواءَ عَلَى الْكَـافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّـاهُمُ الملائكة ظَالِمِى أَنفُسِهِم فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءا بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ قيل : سبب نزول وإذا قيل لهم الآية، أنّ النضر بن الحرث سافر عن مكة إلى الحيرة، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال ككليلة ودمنة، وأخبار اسفنديار ورستم، فجاء إلى مكة فكان يقول : إنما يحدث محمد
٤٨٣
بأساطير الأولين وحديثي أجمل من حديثه. وما كلمة استفهام مفعول بأنزل، أو مبتدأ خبره ذا بمعنى الذي، وعائده في أنزل محذوف أي : أي شيء الذي أنزله. وأجاز الزمخشري أن يكون ماذا مرفوعاً بالابتداء قال : بمعنى أي شيء أنزله ربكم. وهذا لا يجوز عند البصريين إلا في ضرورة الشعر، والضمير في لهم عائد على كفار قريش. وماذا أنزل ليس معمولاً لقيل على مذهب البصرين، لأنه جملة، والجملة لا تقع موقع المفعول الذي لم يسم فاعله، كما لا تقع موقع الفاعل. وقرىء شاذاً : أساطير بالنصب على معنى ذكر ثم أساطير، أو أنزل أساطير على سبيل التهكم والسخرية، لأنّ التصديق بالإنزال ينافي أساطير، وهم يعتقدون أنه ما نزل شيء ولا أن ثمّ منزل. وبنى قيل : للمفعول، فاحتمل أن كون القائل بعضهم لبعض، واحتمل أن يكون المؤمنون قالوا لهم على سبيل الامتحان. وقيل : قائل ذلك الذين تقاسموا مداخل مكة ينفرون عن الرسول صلى الله عليه وسلّم إذا سألهم وفود الحاج : ماذا أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قالوا : أحاديث الأولين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧١