وقرأ الجمهور : برفع أساطير، فاحتمل أن يكون التقدير المذكور : أساطير، أو المنزل أساطير، جعلوه منزلاً على سبيل الاستهزاء، وإن كانوا لا يؤمنون بذلك. واللام في ليحملوا لام الأمر على معنى الحتم عليهم والصغار الموجب لهم، أو لام التعليل من غير أن يكون غرضاً كقولك : خرجت من البلد مخافة الشر، وهي التي يعبر عنها بلام العاقبة، لأنهم لم يقصدوا بقولهم : أساطير الأولين، أن يحملوا الأوزار. ولما قال ابن عطية : إنه يحتمل أن تكون لام العاقبة قال : ويحتمل أن يكون صريح لام كي على معنى قدر هذا لكذا، وهي لام التعليل، لكنه لم يعلقها بقوله. قالوا : بل أضمر فعلاً آخر وهو : قدر هذا، وكاملة حال أي : لا ينقص منها شيء، ومِن للتبعيض. فالمعنى : أنه يحمل من وزر كل من أضل أي : بعض وزر من ضلّ بضلالهم، وهو وزر الإضلال، لأنّ المضل والضال شريكان، هذا يضله، وهذا يطاوعه على إضلاله، فيتحاملان الوزر، لأنّ المضل والضال شريكان، هذا يضله، وهذا يطاوعه على إضلاله، فيتحاملان الوزر. وقال الأخفش : مِن زائدة أي : وأوزار الذين يضلونهم، والمعنى : ومثل ﴿أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم﴾ كقوله :"فعليه وزرها ووزر عن عمل بها إلى يوم القيامة" المراد : ومثل وزر، والمعنى : أن الرئيس إذا وضع سنة قبيحة عظم عابه حتى أن ذلك العقاب يكون مساوياً لعقاب كل من اقتدىء به في ذلك. وقال الواحدي : ليست مِن للتبعيض، لأنه يستلزم تخفيف الأوزار عن الاتباع، وذلك غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام :"من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" لكنها للجنس أي : ليحملوا من جنس أوزار الاتباع انتهى. ولا تتقدر من التي لبيان
٤٨٤
الجنس هذا التقدير الذي قدره الواحدي، وإنما تقدر : الأوزار التي هي أوزار الذين يضلونهم، فيؤول من حيث المعنى إلى قول الأخفش، وإن اختلفا في التقدير. وبغير علم قال الزمخشري : حال من المفعول أي : يضلون من لا يعلم أنهم ضلال. وقال غيره : حال من الفاعل وهو أولى، إذ هو المحدث عنه المسند إليه الإضلال على جهة الفاعلية، والمعنى : أنهم يقدمون على هذا الإضلال جهلاً منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال. ثم أخبر تعالى عن سوء ما يتحملونه للآخرة، وتقدم الكلام في إعراب مثل ساء ما يزرون. فأتى الله أي : أمره وعذابه والبنيان، قيل : حقيقة. قال ابن عباس وغيره : الذين من قبلهم نمرود بني صرحاً ليصعد بزعمه إلى السماء، وأفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش، وقاله كعب الأحبار. وقال ابن عباس ووهب : طوله في السماء خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع، فبعث الله تعالى عليه ريحاً فهدمته، وخر سقفه عليه وعلى اتباعه. وقيل : هدمه جبريل بجناحه، وألقى أعلاه في البحر، والحقف من أسفله. وقال ابن الكلبي : المراد المقتسمون المذكورون في سورة الحجر. وقيل : الذين من قبلهم بخت نصر وأصحابه. وقال الضحاك : قريات قوم لوط، وقالت فرقة : المراد بالذين من قبلهم من كفر من الأمم المتقدمة ومكر، ونزلت به عقوبة من الله، ويكون فأتى الله بنيانهم إلى آخره تمثيلاً والمعنى : أنهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال قوم بنوا بنياناً وعمدوه بالأساطين، فأتى البنيان من الأساطين بأن تضعضعت، فسقط عليهم السقف وهلكوا ونحوه : من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً. ومن القواعد لابتداء الغاية أي : أتاهم أمر الله من جهة القواعد. وقالت فرقة : المراد بقوله : فخرَّ عليهم السقف من فوقهم. جاءهم العذاب من قبل السماء التي هي فوقهم، وقاله ابن عباس. وقيل : المعنى أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه. قال ابن عطية : وهذا ينجر إلى اللغز. ومعنى قوله : من فوقهم، رفع الاحتمال في قوله : فخرَّ عليهم السقف، فإنك تقول : انهدم على فلان بناؤه وليس تحته، كما تقول : انفسد عليه، وقوله : من فوقه، ألزم أنهم كانوا تحته انتهى. وهذا الذي قاله ابن الأعرابي قال : يعلمك أنهم كانوا جالسين تحته، والعرب تقول : خر علينا سقف، ووقع علينا سقف، ووقع علينا حائط إذا كان يملكه. وإن لم يكن وقع عليه فجاء بقوله من فوقهم ليخرج هذا الذي في كلام العرب فقال : من فوقهم، أي : عليهم وقع، وكانوا تحته فهلكوا، فأتاهم العذاب. قال ابن عباس : يعني البعوضة التي أهلك بها نمروذ، وقيل : من حيث لا يشعرون، من حيث ظنوا أنهم في أمان. وقرأ الجمهور : بنيانهم، وقرأت فرقة بنيتهم. وقرأ جعفر : بيتهم، والضحاك : بيوتهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧١