وقال الزمخشري : فإن قلت : فهلا جيء بمن دون ما تغليباً للعقلاء من الدواب على غيرهم ؟ قلت : لأنه لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب، فكان متناولاً للعقلاء خاصة، فجيء بما هو صالح للعقلاء وغيرهم إرادة العموم انتهى. وظاهر السؤال تسليم أنّ من قد تشمل العقلاء وغيرهم على جهة التغليب، وظاهر الجواب تخصيص من بالعقلاء، وأنّ الصالح للعقلاء وغيرهم ما دون من، وهذا ليس بجواب، لأنه أورد السؤال على التسليم، ثم ذكر الجواب على غير التسليم فصار المعنى : أن من يغلب بها، والجواب لا يغلب بها، وهذا في الحقيقة ليس بجواب، والظاهر أنّ الضمير في قوله : يخافون، عائد على المنسوب إليهم السجود. في ولله يسجد، وقاله أبو سليمان الدمشقي. وقال ابن السائب ومقاتل : يخافون من صفة الملائكة خاصة، فيعود الضمير عليهم. وقال الكرماني : والملائكة موصوفون بالخوف، لأنهم قادرون على العصيان وإن كانوا لا يعصون. والفوقية المكانية مستحيلة بالنسبة إليه تعالى، فإن علقته بيخافون كان على حذف مضاف أي : يخافون عذابه كائناً من فوقهم، لأن العذاب إنما ينزل من فوق، وإن علقته بربهم كان حالاً منه أي : يخافون ربهم عالياً لهم قاهراً لقوله :﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِا﴾ ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـاهِرُونَ﴾ وفي نسبة الخوف لمن نسب إليه السجود أو الملائكة خاصة دليل على تكليف الملائكة كسائر المكلفين، وأنهم بين الخوف والرجاء مدارون على الوعد والوعيد كما قال تعالى :﴿وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِا مُشْفِقُونَ﴾ ومن يقل منهم : إنه إله من دونه، فذلك نجزيه جهنم. وقيل : الخوف خوف جلال ومهابة. والجملة من يخافون يجوز أن تكون حالاً من الضمير في من لا يستكبرون، ويجوز أن تكون بياناً لنفي الاستكبار وتأكيداً له، لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته. وقوله : ويفعلون ما يؤمرون، أما المؤمنون فبحسب الشرع والطاعة، وأما غيرهم من الحيوان فبالتسخير والقدر الذي يسوقهم إلى ما نفذ من أمر الله تعالى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٧
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٩
٤٩٩
وصب الشيء دام، قال أبو الأسود الدؤلي :
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤهيوماً بذمّ الدهر أجمع واصبا
وقال حسان :
غيرته الريح يسفى بهوهزيم رعده واصب
والعليل وصيب، لكنّ المرض لازم له. وقيل : الوصب التعب، وصب الشيء شق، ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها. والجواز : رفع الصوت بالدعاء، وقال الأعشى يصف راهباً :
يداوم من صلوات المليك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا
ويروى : يراوح. دس الشيء في الشيء أخفاه فيه. الفرث : كثيف ما يبقى من المأكول في الكرش أو المعى. النحل : حيوان معروف. الحفدة : الأعوان والخدم، ومن يسارع في الطاعة حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفداناً، ومنه : وإليك نسعى ونحفد أي : نسرع في الطاعة. وقال الشاعر :
حفد الولائد حولهنّ وأسلمتبأكفهنّ أزمة الأجمال
وقال الأعشى :
كلفت مجهودها نوقاً يمانيةإذا الحداة على أكسائها حفدوا
وتتعدى فيقال : حفدني فهو حافدي. قال الشاعر :
يحفدون الضيف في أبياتهمكرماً ذلك منهم غير ذل
قال أبو عبيدة : وفيه لغة أخرى، أحفد إحفاداً، وقال : الحفد العمل والخدمة. وقال الخليل : الحفدة عند العرب الخدم. وقال الأزهري : الحفدة أولاد الأولاد، وقيل : الأختان. وأنشد :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحتلها حفد مما يعد كثير
ولكنها نفس عليّ أبيةعيوف لأصحاب اللئام قذور
﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَـاهَيْنِ اثْنَيْنِا إِنَّمَا هُوَ إِلَـاهٌ وَاحِدٌا فَإِيَّـايَ فَارْهَبُونِ * وَلَه مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـاَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُم فَتَمَتَّعُوا ا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ : لما ذكر انقياد ما في السموات وما في الأرض لما يريده تعالى منها، فكان هو المتفرد بذلك. نهى أن يشرك به، ودل النهي عن اتخاذ إلهين على النهي عن اتخاذ آلهة. ولما كان الاسم الموضوع للإفراد والتثنية قد يتجوز فيه فيراد به الجنس نحو : نعم الرجل زيد، ونعم الرجلان الزيدان، وقول الشاعر :
فإن النار بالعودين تذكيوأن الحرب أولها الكلام
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٩


الصفحة التالية
Icon