في كل عام نعم تحوونهيلقحه قوم وينتجونه
وإذا أنّث ففيه وجهان : إنه تكسير نعم، وأنه في معنى الجمع انتهى. وأما ما ذكره عن سيبويه ففي كتابه في هذا في باب ما كان على مثال مفاعل ومفاعيل ما نصه : وأما أجمال وفلوس فإنها تنصرف وما أشبهها، لأنها ضارعت الواحد. ألا ترى أنك تقول : أقوال وأقاويل، وإعراب وأعاريب، وأيد وأياد، فهذه الأحرف تخرج إلى مثال مفاعل ومفاعيل كما يخرج إليه الواحد إذا كسر للجمع، وأما مفاعل ومفاعيل فلا يكسر، فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا، لأن هذا البناء هو الغاية، فلما ضارعت الواحد صرفت. ثم قال : وكذلك الفعول لو كسرت مثل الفلوس لأن تجمع جمعاً لأخرجته إلى فعائل، كما تقول : جدود وجدائد، وركوب وركائب، ولو فعلت ذلك بمفاعل ومفاعيل لم يجاوز هذا البناء. ويقوي ذلك أنّ بعض العرب يقول : أتى للواحد فيضم الألف، وأما أفعال فقد تقع للواحد من العرب من يقول هو الأنعام قال جل ثناؤه وعز : نسقيكم مما في بطونه.
وقال أبو الخطاب : سمعت العرب يقولون : هذا ثواب أكياس انتهى. والذي ذكره سيبويه هو الفرق بين مفاعل ومفاعيل، وبين أفعال وفعول، وإن كان الجميع أبنية للجمع من حيث أنّ مفاعل ومفاعيل لا يجمعان، وأفعال وفعول قد يخرجان إلى بناء شبه مفاعل أو مفاعيل لشبه ذينك بالمفرد، من حيث أنه يمكن جمعهما وامتناع هذين من الجمع، ثم قوى شبههما بالمفرد بأنّ بعض العرب قال في أتى : أتى بضم الهمزة يعني أنه قد جاء نادراً فعول من غير المصدر للمفرد، وبأن بعض العرب قد يوقع أفعالاً للواحدة من حيث أفرد الضمير فتقول : هو الأنعام، وإنما يعني أن ذلك على سبيل المجاز، لأنّ الأنعام في معنى النعم كما قال الشاعر :
تركنا الخيل والنعم المفدى
وقلنا للنساء بها أقيمي
ولذلك قال سيبويه : وأما أفعال فقد تقع للواحد دليل على أنه ليس ذلك بالوضع. فقول الزمخشري : إنه ذكره في الأسماء المفردة على أفعال تحريف في اللفظ، وفهم عن سيبويه ما لم يرده، ويدل على ما قلناه أنّ سيبويه حين ذكر أبنية الأسماء المفردة نص على أنّ أفعالاً ليس من ابنيتها. قال سيبويه في باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة وليس في الكلام : أفعيل، ولا أفعول، ولا أفعال، ولا أفعيل، ولا أفعال إلا أنْ تكسر عليه اسماً للجميع انتهى. فهذا نص منه على أنّ أفعالاً لا يكون في الأبنية المفردة. ونسقيكم مما في بطونه تبيين للعبرة. وقال الزمخشري : وهو استئناف كأنه قيل : كيف العبرة ؟ فقيل : نسقيكم من بين فرث ودم، أي : يخلق الله اللبن وسطاً بين الفرث والذم يكتنفانه، وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة، بل هو خالص من كله انتهى. قال ابن عباس :
٥٠٩
إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثاً يبقى فيه، وأعلاه دماً يجري في العروق، وأوسطه لبناً يجري في الضرع. وقال ابن جبير : الفرث في أوسط المصارين، والدم في أعلاها، واللبن بينهما، والكبد يقسم الفرث إلى الكرش، والدم إلى العروق، واللبن إلى الضروع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٩
وقال أبو عبد الله الرازي : قال المفسرون : المراد من قوله من بين فرث ودم، هو أنّ هذه الثلاثة تتولد في موضع واحد، فالفرث يكون في أسفل الكرش، والدم في أعلاه، واللبن في الوسط، وقد دللنا على أنّ هذا القول على خلاف الحس والتجربة، وكان الرازي قد قدم أن الحيوان يذبح ولا يرى في كرشه دم ولا لبن، بل الحق أنّ الغذاء إذا تناوله الحيوان وصل إلى الكرش وانطبخ وحصل الهضم الأول فيه، فما كان منه كثيفاً نزل إلى الأمعاء، وصافياً انحدر إلى الكبد فينطبخ فيها ويصير دماً، وهو الهضم الثاني مخلوطاً بالصفراء والسوداء وزيادة المائية، فتذهب الصفراء إلى المرارة، والسوداء إلى الطحال، والماء إلى الكلية، وخالص الدم يذهب إلى الأوردة وهي العروق النابتة من الكبد فيحصل الهضم الثالث. وبين الكبد وبين الضرع عروق كثيرة ينصب الدم من تلك العروق إلى الضرع، وهو لحم رخو أبيض فينقلب من صورة الدم إلى صورة اللبن، فهذا هو الصحيح في كيفية توالد اللبن انتهى ملخصاً. وقال أيضاً : وأما نحن فنقول : المراد من الآية هو أنّ اللبن إنما يتولد من بعض أجزاء الدم، والدم إنما يتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث، وهي الأشياء المأكولة الحاصلة في الكرش. فاللبن متولد مما كان حاصلاً فيما بين الفرث أولاً، ثم مما كان حاصلاً فيما بين الدم ثانياً انتهى، ملخصاً أيضاً.


الصفحة التالية
Icon