قل : الحمد لله، الظاهر أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم. وقيل : يحتمل أن يكون خطاباً لمن رزقه الله، أمره أن يحمد الله على أنّ ميزه بهذه القدرة على ذلك الضعيف. وقال ابن عطية : الحمد لله شكر على بيان الأمر بهذا المثل، وعلى إذعان الخصم له كما تقول لمن أذعن لك ي حجة وسلم تبنى أنت عليه، قولك : الله أكبر على هذا يكون كذا وكذا، فلما قال هنا : هل يستوون، فكأن الخصم قال له : لا، فقال : الحمد لله ظهرت الحجة انتهى. وقيل : الحمد لله أي : هو المستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه، إذ لا نعمة للأصنام عليهم فتحمد عليها، إنما الحمد الكامل لله لأنه المنعم الخالق. وقال ابن عباس : الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد. والظاهر نفي العلم عن أكثرهم، لأنّ منهم من بان له الحق ورجع إليه، أو أكثر الخلق لأن الأكثر هم المشركون. وقيل : المراد به ا لعموم أي : بل هم لا يعلمون. ومتعلق يعلمون محذوف، إما لأنّ المعنى نفي العلم عن الأكثر ولم يلحظ متعلقه، وإما لأنه محذوف يترتب على الأقوال التي سببها قوله الحمد لله.
وضرب الله مثلاً رجلين أي قصة رجلين. قال الزمخشري : وهذا مثل ثان ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده ويشملهم من آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية، والأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع. والأبكم الذي ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم. وهو كل على مولاه أي : ثقيل، وعيال على من يلي أمره ويعوله. أينما يوجهه : حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجح. هل يستوي هو، ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات مع رشد وديانة، فهو يأمر الناس بالعدل، وهو في نفسه على صراط مستقيم على سيرة صالحة، ودين قويم انتهى. وقال ابن عباس : أحدهما أبكم مثل للكافر، والذي يأمر بالعدل المؤمن. وقال قتادة : هذا مثل الله تعالى، والأصنام فهي الأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء، وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق، كما الأصنام
٥١٩
تحتاج أن تنقل وتخدم ويتعذب بها، ثم لا يأتي من جهتها خير البتة. وعن قتادة أيضاً وغيره : هذا مثل ضربه الله لنفسه وللوثن، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى، وهذا ليس كذلك لأنه قال : مثلاً رجلين، فلا بد أن يكون عديل الأبكم الموصوف بتلك الصفات، ومقابله رجل موصوف بما يقابل تلك الصفات من النطق والقدرة والكفاية، ولكنه حذف المقابل لدلالة مقابله عليه، ثم قيل : هل يستوي ذلك الأبكم الموصوف بتلك الصفات، وهذا الناطق : ففي ذكر استوائهما أيضاً دليل على حذف المقابل. ولما كان البكم هو المبدأ به من الأوصاف، وعنه تكون الأوصاف التي بعده قابلة في الاستواء بالنطق، وثمرته من الأمر بالعدل غيره وهو في نفسه على طريقة مستقيمة، فحيثما توجه صدر منه الخبر ونفع، وليس بكالّ على أحد. وقد تقرر في بداية العقول أنّ الأبكم العاجز لا يكون مساوياً في العقل والشرف للناطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية، فلأن يحكم بأنّ الجماد لا يكون مساوياً لرب العالمين في المعبودية أحرى وأولى. وكما قلنا في المثل السابق : لا يحتاج إلى تعيين المضروب بهما المثل، فكذلك هنا، فتعيين الأبكم بأبي جهل، والآمر بالعدل : بعمار، أو بأبيّ بن خلف، وعثمان بن مظعون، أو بهاشم بن عمرو بن الحرث كان يعادي الرسول صلى الله عليه وسلّم لا يصح إسناده.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٧
وقرأ عبد الله، وعلقمة، وابن وثاب، ومجاهد، وطلحة يوجه بهاء واحدة ساكنة مبنياً، وفاعله ضمير يعود عليى مولاه، وضمير المفعول محذوف لدلالة المعنى عليه. ويجوز أن يكون ضمير الفاعل عائداً على الأبكم، ويكون الفعل لازماً وجه بمعنى توجه، كان المعنى : أينما يتوجه. وعن عبد الله أيضاً : توجهه بهاءين، بتاء الخطاب، والجمهور بالياء والهاءين. وعن علقمة وابن وثاب، وطلحة، يوجه بهاء، واحدة ساكنة، والفعل مبني للمفعول. وعن علقمة، وطلحة : يوجه بكسر الجيم وهاء واحدة مضمومة. قال صاحب اللوامح : فإنْ صح ذلك فإنّ الهاء التي هي لام الفعل محذوفة فراراً من التضعيف، ولأن اللفظ به صعب مع التضعيف، أو لم يرد به الشرط، بل أمر هو بتقدير أينما هو يوجه، وقد حذف منه ضمير المفعول به، فيكون حذف الياء من لا يأت بخير على التخفيف نحو : يوم يأت. وإذا يسر انتهى. ولا يخرج أين عن الشرط أو الاستفهام. وقال أبو حاتم : هذه القراءة ضعيفة، لأن الجزم لازم انتهى. والذي توجه عليه هذه القراءة إن صحت أنّ أينما شرط حملت على إذا لجامع ما اشتركا فيه من الشرطية، ثم حذفت الياء من لا يأت تخفيفاً، أو جزمه على توهم أنه نطق بأينما المهملة معملة لقراءة من قرأ أنه من يتقي ويصبر في أحد الوجهين، ويكون معنى يوجه يتوجه، فهو فعل لازم لا متعد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١٧


الصفحة التالية
Icon