﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بآيات اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بآيات اللَّهِ وَأُوالَئاِكَ هُمُ الْكَـاذِبُونَ * مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنا بَعْدِ إِيمَـاـنِهِا إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُه مُطْمَـاِنُّا بِالايمَـانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ : لما ذكر تعالى نسبتهم إلى
٥٣٧
الافتراء إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم، وأنّ ما أتى به من عند الله إنما يعلمه إياه بشر، كان ذلك تسجيلاً عليهم بانتفاء الإيمان، فأخبر تعالى عنهم أنهم لا يهديهم الله أبداً إذ كانوا جاحدين آيات الله، وهو ما أتى به الرسول من المعجزات وخصوصاً القرآن، فمن بالغ في جحد آيات الله سد الله عليه باب الهداية. وذكر تعالى وعيده بالعذاب الأليم لهم، ومعنى لا يهديهم : لا يخلق الإيمان في قلوبهم. وهذا عام مخصوص، فقد اهتدى قوم كفروا بآيات الله تعالى. وقال الزمخشري : لا يهديهم الله لا يلطف بهم، لأنهم من أهل الخذلان في الدنيا والعذاب في الآخرة، لا من أهل اللطف والثواب انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وقال ابن عطية : المفهوم من الوجود أنّ الذين لا يهديهم الله لا يؤمنون بآياته، ولكنه قدم في هذا الترتيب وأخبرتهمما بتقبيح فعلهم والتشنيع بخطئهم، وذلك كقوله :﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ والمراد ما ذكرناه، فكأنه قال : إن الذين لم يؤمنوا لم يهدهم الله انتهى. وقال القاضي : أقوى ما قيل في ذلك لا يهديهم إلى طريق الجنة، ولذلك قال بعده : ولهم عذاب أليم، والمراد أنهم لما تركوا الإيمان بالله لا يهديهم الله إلى الجنة بل يسوقهم إلى النار. وقال العسكري : يجوز أن يكون المعنى أنهم إن لم يؤمنوا بهذه الآيات لم يهتدوا، والمراد بقوله : لا يهديهم الله أي لا يهتدون، وإنما يقال : هدى الله فلاناً على الإطلاق إذا اهتدى هو، وأما من لم يقبل الهدى فإنه يقال : إن الله هداه فلم يهتد، كما قال :﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ ثم ردّ تعالى قولهم :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرا﴾ بقوله : إنما يفتري الكذب، أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن، لأنه يترقب عقاباً عليه. ولما كان في كلامهم إنما وهو يقتضي الحصر عند بعضهم، جاء الرد عليهم بإنما أيبضاً، وجاء بلفظ يفتري الذي يقتضي التجدد، ثم علق الحكم على الوصف المقتضي للافتراء وهو : انتفاء الإيمان، وختم بقوله : وأولئك هم الكاذبون. فاقتضى التوكيد البالغ والحصر بلفظ الإشارة، والتأكيد بلفظ هم، وإدخال أل على الكاذبون، وبكونه اسم فاعل يقتضي الثبوت والدوام، فجاء يفتري يقتضي التجدد، وجاء الكاذبون يقتضي الثبوت والدوام. وقال الزمخشري : وأولئك إشارة إلى قريش هم الكاذبون، هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون. أو إلى الذين لا يؤمنون أي : وأولئك هم الكاذبون على الحقيقة الكاملون في الكذب، لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب. أو أولئك هم الكاذبون عادتهم الكذب لا يبالون به في كل شيء، لا يحجبهم عنه مروءة ولا دين. أو أولئك هم الكاذبون في قولهم : إنما أنت مفتر انتهى. والوجه الذي بدأ به بعيد، وهو أن وأولئك إشارة إلى قريش. والظاهر أن من شرطية في موضع رفع على الابتداء، وهو استئناف إخبار لا تعلق له بما قبله من جهة الإعراب. ولما كان الكفر يكون باللفظ وبالاعتقاد، استثنى من الكافرين من كفر باللفظ وقلبه مطمئن بالإيمان، ورخص له في النطق بكلمة الكفر إذ كان قلبه مؤمناً، وذلك مع الإكراه. والمعنى : إلا من أكره على الكفر، تلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وجواب الشرط محذوف لدلالة ما بعده عليه تقديره : الكافرون بعد الإيمان غير المكرهين، فعليهم غضب. ويصح أن يكون الاستثناء من ما تضمنه جواب الشرط المحذوف أي : فعليهم غضب، إلا من أكره فلا غضب عليه ولا عذاب، ولكنْ من شرح وكذا قدره الزمخشري أعني الجواب
٥٣٨
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٨


الصفحة التالية
Icon