إنما يراد به تنبيه من يعقل بالتعجب مما حل بالمنادي. و﴿لا يُغَادِرُ﴾ جملة في موضع الحال. وعن ابن عباس : الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة. وعن ابن جبير : القبلة والزنا وعن غيره السهو والعمد. وعن الفضيل ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر، وقدمت الصغيرة اهتماماً بها، وإذا أحصيت فالكبيرة أحرى ﴿إِلا أَحْصَـاهَا ﴾ ضبطها وحفظها ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ﴾ في الصحف عتيداً أو جزاء ما عملوا. ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه الذي يستحقه أو يعذبه بغير جرم. قال الزمخشري : كما يزعم من ظلم الله في تعذيب أطفال المشركين انتهى. ولا يقال : إن ذلك ظلم منه تعالى لأنه تعالى كل مملوكون له فله أن يتصرف في مملوكيه بما يشاء، لا يسأل عما يفعل، والصحيح في أطفال المشركين أنهم يكونون في الجنة خدماً لأهلها نص عليه في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئاِكَةِ اسْجُدُوا لادَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِا أَفَتَتَّخِذُونَه وَذُرِّيَّتَهُا أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوُّا بِئْسَ لِلظَّـالِمِينَ بَدَلا﴾.
ذكروا في ارتباط هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بمجالسة الفقراء وكان أولئك المتكبرون قد تأنفوا عن مجالستهم، وذكروا للرسول صلى الله عليه وسلّم طردهم عنه وذلك لما جبلوا عليه من التكبر والتكثر بالأموال والأولاد وشرف الأصل والنسب، وكان أولئك الفقراء بخلافهم في ذلك ناسب ذكر قصة إبليس بجامع ما اشتركا فيه من التكبر والافتخار بالأصل الذي خلق منه وهذا الذي ذكروه في الإرتباط هو ظاهر بالنسبة للآيات السابقة قبل ضرب المثلين، وإما أنه واضح بالنسبة لما بعد المثلين فلا والذي يظهر في إرتباط هذه الآية بالآية التي قبلها هو أنه لما ذكر يوم القيامة والحشر وذكر خوف المشركين مما سطر في ذلك الكتاب، وكان إبليس هو الذي حمل المجرمين على معاصيهم واتخاذ شركاء مع الله ناسب ذكر إبليس والنهي عن اتخاذ ذريته أولياء من دون الله تبعيداً عن المعاصي، وعن امتثال ما يوسوس به. وتقدم
١٣٥
الكلام في استثناء إبليس أهو استثناء متصل أم منقطع، وهل هو من الملائكة أم ليس منهم في أوائل سورة البقرة فأغني عن إعادته، والظاهر من هذه الآية أنه ليس من الملائكة وإنما هو من الجن. قال قتادة : الجن حي من الملائكة خلقوا من نار السموم. وقال شهر بن حوشب : هو من الجن الذين ظفرت بهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء. وقال الحسن وغيره : هو أول الجن وبداءتهم كآدم في الإنس. وقالت فرقة : كان إبليس وقبيله جناً لكن الشياطين اليوم من ذريته فهو كنوح في الإنس. وقال الزمخشري : كان من الجن كلام مستأنف جارٍ مجري التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين كأن قائلاً قال : ما له لم يسجد فقيل ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِا﴾ والفاء للتسبيب أيضاً جعل كونه من الجن سبباً في فسقه، يعني إنه لو كان ملكاً كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله لأن الملائكة معصومون ألبتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس كما قال :﴿لا يَسْبِقُونَه بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِا يَعْمَلُونَ﴾ وهذا الكلام المعترض تعمد من الله عز وعلا لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم، فما أبعد البون بين ما تعمده الله وبين قول من ضادّه فزعم أنه كان ملكاً ورئيساً على الملائكة فعصي فلعن ومسخ شيطاناً، ثم وكه على ابن عباس انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
والظاهر أن معنى ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِا﴾ فخرج عما أمره ربه به من السجود. قال رؤبة :
يهوين في نجد وغوراً غائرافواسقاً عن قصدها حوائراً