وقال الزمخشري : إن الأولى نصب والثانية رفع وقبلهما مضاف محذوف تقديره ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ الإيمان ﴿إِلا﴾ انتظار ﴿أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الاوَّلِينَ﴾ وهي الإهلاك ﴿أَوْ﴾ انتظار ﴿أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ﴾ يعني عذاب الآخرة انتهى. وهو مسترق من قول الزجاج. قال الزجاج : تقديره ما منعهم من الإيمان ﴿إِلا﴾ طلب ﴿أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الاوَّلِينَ﴾. وقال الواحدي : المعنى ما منعهم إلاّ أني قد قدّرت عليهم العذاب، وهذه الآية فيمن قتل ببدر وأحد من المشركين، وهذا القول نحو من قول من قال التقدير ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا ﴾ إلاّ ما سبق في علمنا وقضائنا أن يجري عليهم ﴿قُل لِّلَّذِينَ﴾ من عذاب الاستئصال من المسخ والصيحة والخسف والغرق وعذاب الظلة ونحو ذلك، وأراد بالأولين من أهلك من الأمم السالفة. وقال صاحب الغنيان : إلاّ إرادة أو انتظار أن تأتيهم سنتنا في الأولين، ومن قدر المضاف هذا أو الطلب فإنما ذلك لاعتقادهم عدم صدق الأنبياء فيما وعدوا به من العذاب كما قال حكاية عن بعضهم ﴿إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ﴾. وقيل :﴿مَّآ﴾ هنا استفهامية لا نافية، والتقدير وأي شيء ﴿مَنَعَ النَّاسَ﴾ أن ﴿يُؤْمِنُوا ﴾ و﴿الْهُدَى ﴾ الرسول أو القرآن قولان.
وقرأ الحسن والأعرج والأعمش وابن أبي ليلى وخلف وأيوب وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير والكوفيون بضم القاف والباء، فاحتمل أن يكون بمعنى ﴿قُبُلا﴾ لأن أبا عبيدة حكاهما بمعنى واحد في المقابلة، وأن يكون جمع قبيل أي يجيئهم العذاب أنواعاً وألواناً. وقرأ باقي السبعة ومجاهد وعيسى بن عمر ﴿قُبُلا﴾ بكسر القاف وفتح الباء ومعناه عياناً. وقرأ أبو رجاء والحسن أيضاً بضم القاف وسكون الباء وهو تخفيف قبل على لغة تميم. وذكر ابن قتيبة أنه قرىء بفتحتين وحكاه الزمخشري وقال مستقبلاً. وقرأ أبيّ بن كعب وابن غزوان عن طلحة قبيلاً بفتح القاف وباء مكسورة بعدها ياء على وزن فعيل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ﴾ أي بالنعيم المقيم لمن آمن ﴿وَمُنذِرِينَ﴾ أي بالعذاب الأليم لمن كفر لا ليجادلوا ولا ليتمنى عليهم الاقتراحات ﴿لِيُدْحِضُوا ﴾ ليزيلوا ﴿وَاتَّخَذُوا ءَايَـاتِى﴾ يجمع آيات القرآن وعلامات الرسول قولاً وفعلاً ﴿وَمَآ أُنْذِرُوا ﴾ من عذاب الآخرة، واحتملت ﴿مَّآ﴾ أن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوف أي ﴿وَمَا﴾ أنذروه وأن تكون مصدرية أي وإنذارهم فلا تحتاج إلى عائد على الأصح أي سخرية واسخفافاً لقولهم أساطير الأولين. لو شئنا لقلنا مثل هذا وجداً لهم للرسول صلى الله عليه وسلّم قولهم ﴿مَآ أَنتُمْ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ ولو شاء الله لأنزل ملائكة وما أشبه ذلك، والآيات المضاف إلى الرب هو القرآن ولذلك عاد الضمير مفرداً في قوله ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾ وإعراضه عنها كونه لا يتذكر حين ذكر ولم يتدبر ونسي عاقبة ما قدّمت يداه من الكفر والمعاصي غير مفكر فيها ولا ناظر في أن المحسن والمسيء يجزيان بما عملا.
وتقدم تفسير نظير
١٣٩
قوله ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِا فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا﴾ ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يهتدون أبداً وهذا من العام والمراد به الخصوص، وهو من طبع الله على قلبه وقضى عليه بالموافاة على الكفر إذ قد اهتدي كثير من الكفرة وآمنوا، ويحتمل أن يكون ذلك حكماً على الجميع أي ﴿وَإِن تَدْعُهُمْ﴾ أي ﴿إِلَى الْهُدَى ﴾ جميعاً ﴿فَلَن يَهْتَدُوا ﴾ جميعاً ﴿أَبَدًا﴾ وحمل أولاً على لفظ من فأفرد ثم على المعنى في قوله ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ فجمع وجعلوا دعوة الرسول إلى الهدى وهي التي تكون سبباً لوجود الإهتداء، سبباً لانتفاء هدايتهم، وهذا الشرط كأنه جواب للرسول عن تقدير قوله مالي لا أدعوهم إلى الهدى حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على حصول إيمانهم، فقيل :﴿وَإِن تَدْعُهُمْ﴾ وتقييده بالأبدية مبالغة في انتفاء هدايتهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١
و﴿الْغَفُورُ﴾ صفة مبالغة و﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ أي الموصوف بالرحمة، ثم ذكر دليل رحمته وهو كونه تعالى ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُم﴾ عاجلاً بل يمهلهم مع إفراطهم في الكفر وعداوة الرسول صلى الله عليه وسلّم، والموعد أجل الموت، أو عذاب الآخرة، أو يوم بدر، أو يوم أحد، وأيام النصر أو العذاب إما في الدنيا وإما في الآخرة أقوال.


الصفحة التالية
Icon