قال الزمخشري : ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله ممن لا يعلم كان يجعل الضمير للخضر لأن ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة، فتمحل ليرده إلى ما هو عنده أصح وأفصح، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز أدخل في الإعجاز انتهى. وما ذكره أهل أصول الفقه عن أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني من أنه ينكر المجاز في القرآن لعله لا يصح عنه، وكيف يكون ذلك وهو أحد الأدباء الشعراء الفحول المجيدين في النظم والنثر.
١٥١
وقرأ الجمهور ﴿يَنقَضَّ﴾ أي يسقط من انقضاض الطائر، ووزنه انفعل نحو انجر. قال صاحب اللوامح : من القضة وهي الحصى الصغار، ومنه طعام قضض إذا كان فيه حصى، فعلى هذا ﴿يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾ أي يتفتت فيصير حصاة انتهى. وقيل : وزنه أفعّل من النقض كأحمرِّ. وقرأ أبي ﴿يَنقَضَّ﴾ بضم الياء وفتح القاف والضاد مبنياً للمفعول من نقضته وهي مروية عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم. وفي حرف عبد الله وقراءة الأعمش يريد لينقض كذلك إلاّ أنه منصوب بأن المقدرة بعد اللام. وقرأ علي وعكرمة وأبو شيخ خيوان بن خلالد الهنائي وخليد بن سعد ويحيى بن يعمر ينقاص بالصاد غير معجمة مع الألف، ووزنه ينفعل اللازم من قاص يقيص إذا كسرته تقول : قصيته فانقاص. قال ابن خالويه : وتقول العرب انقاصت السنّ إذا انشقت طولاً. قال ذو الرمة : منقاص ومنكثب. وقيل : إذا تصدعت كيف كان. ومنه قول أبي ذؤيب :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٠
فراق كقص السن فالصبر إنهلكل أناس عشرة وحبور
وقرأ الزهري : ينقاض بألف وضاد معجمة وهي من قولهم : قضته معجمة فانقاض أي هدمته فانهدم. قال أبو عليّ : والمشهور عن الزهري بصاد غير معجمة.
﴿فَأَقَامَهُا﴾ الظاهر أنه لم يهدمه وبناه كما ذهب إليه بعضهم من أنه هدمه وقعد يبنيه. ووقع هذا في مصحف عبد الله وأيد بقوله ﴿لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ لأن بناءه بعد هدمه يستحق عليه أجراً. وقال ابن جبير : مسحه بيده وأقامه فقام. وقيل : أقامه بعمود عمده به. وقال مقاتل : سواه بالشيد أي لبسه به وهو الجيار. وعن ابن عباس : دفعه بيده فاستقام وهذا أليق بحال الأنبياء. قال الزمخشري : كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسياً، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن ﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ وطلبت على عملك جعلاً حتى تنتعش به وتستدفع الضرورة انتهى. قال ابن عطية : وقوله ﴿لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ وإن لم يكن سؤالاً ففي ضمنه الإنكار لفعله، والقول بتصويب أخذ الأجر وفي ذلك تخطئة ترك الأجر انتهى. وقرأ عبد الله والحسن وقتادة وابن بحرية ولتخذت بتاء مفتوحة وخاء مكسورة، يقال تخذ واتخذ نحو تبع واتبع، افتعل من تخذ وأدغم التاء في التاء. قال الشاعر :
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزهانسيفاً كأفحوص القطاة المطرق والتاء أصل عند البصريين وليس من الأخذ، وزعم بعضهم أن الاتخاذ افتعال من الأخذ وأنهم ظنوا التاء أصلية فقالوا في الثلاثي تخذ كما قالوا تقي من اتقى. والظاهر أن هذا إشارة إلى قوله ﴿لَوْ شِئْتَ﴾ أي هذا الإعراض سبب الفراق ﴿بَيْنِى وَبَيْنِكَ﴾ على حسب ما سبق من ميعاده. أنه قال ﴿إِن سَأَلْتُكَ﴾ وهذه الجملة وإن لم تكن سؤالاً فإنها تتضمنه، إذ المعنى ألم تكن تتخذ عليه أجراً لاحتياجنا إليه.
وقال الزمخشري : قد تصور فراق بينهما عند حلول ميعاده على ما قال موسى عليه السلام ﴿إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءا بَعْدَهَا فَلا تُصَـاحِبْنِى ﴾ فأشار إليه وجعله مبتدأ وأخبر عنه كما تقول : هذا أخوك فلا يكون هذا إشارة إلى غير الأخ انتهى. وفيما قاله نظر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٠
وقرأ ابن أبي عبلة ﴿فِرَاقُ بَيْنِى﴾ بالتنوين والجمهور على الإضافة. والبين قال ابن عطية : الصلاح الذي يكون بين المصطحبين ونحوهما، وذلك مستعار فيه من الظرفية ومستعمل استعمال الأسماء، وتكريره ﴿بَيْنِى وَبَيْنِكَ﴾ وعدوله عن بيننا لمعنى التأكيد. ﴿سَأُنَبِّئُكَ﴾ أي سأخبرك ﴿بِتَأْوِيلِ﴾ ما رأيت من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، أي بما آل إليه الأمر فيما كان ظاهره أن لا يكون. وقرأ ابن وثاب سأنبيك بإخلاص الياء من غير
١٥٢