همز. وعن ابن عباس : كان قول موسى في السفينة وفي الغلام لله، وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا فكان سبب الفراق. وقال أرباب المعاني : هذه الأمثلة التي وقعت لموسى مع الخضر حجة على موسى وإعجاله، وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي : يا موسي أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحاً في اليم ؟ فلما أنكر قتل الغلام قيل له : أين إنكار هذا من وكز القبطي وقضائك عليه ؟ فلما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك الحجر لبنات شعيب دون أجرة ؟ ﴿سَأُنَبِّئُكَ﴾ في معاني هذا معك ولا أفارقك حتى أوضح لك ما استبهم عليك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٠
﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَـامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَواةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَه كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا﴾.
روي أن موسى عليه السلام لما عزم الخضر على مفارقته أخذ بثيابه، وقال : لا أفارقك حتى تخبرني بمَ أباح لك فعل ما فعلت، فلما التمس ذلك منه أخذ في البيان والتفصيل، فقال :﴿أَمَّا السَّفِينَةُ﴾ فبدأ بقصة ما وقع له أولاً. قيل : كانت لعشرة إخوة، خمسة زمني وخمسة يعملون في البحر. وقيل : كانوا أجراء فنسبت إليهم للاختصاص. وقرأ الجمهور : مساكين بتخفيف السين جمع مسكين. وقرأ عليّ كرم الله وجهه بتشديد السين جمع مساك جمع تصحيح. فقيل : المعنى ملاحين، والمساك الذي يمسك رجل السفينة وكل منهم يصلح لذلك. وقيل : المساكون دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك، والقراءة الأولى تدل على أن السفينة كانت لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم، واحتج بهذه الآية على أن المسكين هو الذي له بلغة من العيش كالسفينة لهؤلاء، وأنه
١٥٣
أصلح حالاً من الفقير. وقوله ﴿فَأَرَدتُّ﴾ فيه إسناد إرادة العيب إليه. وفي قوله : فأراد ربك أن يبلغا لما في ذكر العيب ما فيه فلم يسنده إلى الله، ولما في ذلك من فعل الخير أسنده إلى الله تعالى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٣
قال الزمخشري : فإن قلت : قوله ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب فلم قدم عليه ؟ قلت : النية به التأخير، وإنما قدم للعناية ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها فكان بمنزلة قولك : زيد ظني مقيم.
وقيل في قراءة أبيّ وعبد الله كل سفينة صالحة انتهى. ومعنى ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ بخرقها. وقرأ الجمهور ﴿وَرَآءَهُم﴾ وهو لفظ يطلق على الخلف وعلى الأمام، ومعناه هنا أمامهم. وكذا قرأ ابن عباس وابن جبير. وكون ﴿وَرَآءَهُم﴾ بمعنى أمامهم قول قتادة وأبي عبيد وابن السكيت والزجاج، ولا خلاف عند أهل اللغة أن وراء يجوز بمعنى قدام، وجاء في التزيل والشعر قال تعالى ﴿مِّن وَرَآاِهِ جَهَنَّمُ﴾ وقال ﴿وَمِن وَرَآاِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ وقال ﴿وَمِن وَرَآاِهِم بَرْزَخٌ﴾. وقال لبيد :
أليس ورائي إن تراخت منيتيلزوم العصا يحني عليها الأصابع
وقال سوار بن المضرب السعدي
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتيوقومي تميم والفلاة ورائيا
وقال آخر


الصفحة التالية
Icon