وقرأ حمزة والكسائي وحفص وأبو بحرية والأعمش وطلحة وابن مناذر ويعقوب وأبو عبيد وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي ومحمد بن جرير ﴿فَلَه جَزَآءً﴾ بالنصب والتنوين وانتصب ﴿جَزَآءً﴾ على أنه مصدر في موضع الحال أي مجازي كقولك في الدار قائماً زيد. وقال أبو علي قال أبو الحسن : هذا لا تكاد العرب تكلم به مقدماً إلاّ في الشعر. وقيل : انتصب على المصدر أي يجزي ﴿جَزَآءً﴾. وقال الفراء : ومنصوب على التفسير والمراد بالحسنى على قراءة النصب الجنة. وقرأ باقي السبعة ﴿جَزَآءً الْحُسْنَى ﴾ برفع ﴿جَزَآءً﴾ مضافاً إلى ﴿الْحُسْنَى ﴾. قال أبو عليّ جزاء الخلال الحسنة التي أتاها وعملها أو يراد بالحسنى الحسنة والجنة هي الجزاء، وأضاف كما قال دار الآخرة و﴿جَزَآءً﴾ مبتدأ وله خبره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
وقرأ عبد الله بن إسحاق ﴿فَلَه جَزَآءً﴾ مرفوع وهو مبتدأ وخبر و﴿الْحُسْنَى ﴾ بدل من ﴿جَزَآءً﴾. وقرأ ابن عباس ومسروق ﴿جَزَآءً﴾ نصب بغير تنوين ﴿الْحُسْنَى ﴾ بالإضافة، ويخرج على حذف المبتدإ لدلالة
١٦٠
المعنى عليه، أي ﴿فَلَهُ﴾ الجزاء ﴿جَزَآءً الْحُسْنَى ﴾ وخرجه المهدوي على حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو جعفر ﴿يُسْرًا﴾ بضم السين حيث وقع.
﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ أي طريقاً إلى مقصده الذي يسر له. وقرأ الحسن وعيسى وابن محيصن ﴿مَطْلِعَ﴾ بفتح اللام، ورويت عن ابن كثير وأهل مكة وهو القياس. وقرأ الجمهور بكسرها وهو سماع في أحرف معدودة، وقياس كسره أن يكون المضارع تطلع بكسر اللام وكان الكسائي يقول : هذه لغة ماتت في كثير من لغات العرب، يعني ذهب من يقول من العرب تطلع بكسر اللام وبقي ﴿مَطْلِعَ﴾ بكسرها في اسم المكان والزمان على ذلك القياس، والقوم هنا الزنج. وقال قتادة هم الهنود وما وراءهم. والستر البنيان أو الثياب أو السجر والجبال أقوال، والمعنى أنهم لا شيء لهم يسترهم من حر الشمس. وقيل : تنفذ الشمس سقوفهم وثيابهم فتصل إلى أجسامهم. فقيل : إذا طلعت نزلوا الماء حتى ينكسر حرها قاله الحسن وقتادة وابن جريج. وقيل : يدخلون أسراباً. وقال مجاهد : السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض. قال ابن عطية : والظاهر من اللفظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم، وفعلها بقدرة الله فيهم ونيلها منهم، ولو كانت لهم أسراب لكان ستراً كثيفاً انتهى. وقال بعض الرجاز :
بالزنج حرّ غير الأجساداحتى كسا جلودها سوادا
وذلك إنما هو من قوة حرّ الشمس عندهم واستمرارها. كذلك الإشارة إلى البلوغ أي كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها. وقيل ﴿أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ كما ﴿أَتْبَعَ سَبَبًا﴾. وقيل : كما وجد أولئك عند مغرب الشمس وحكم فيهم كذلك وجد هؤلاء عند مطلع الشمس وحكم فيهم. وقيل : كذلك أمرهم كما قصصنا عليكم. وقيل :﴿تَطْلُعُ﴾ طلوعها مثل غروبها. وقيل :﴿لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا * كَذَالِكَ﴾ أي مثل أولئك الذين وجدهم في مغرب الشمس كفرة مثلهم، وحكمهم مثل حكمهم في التعذيب لمن بقي على الكفر والإحسان لمن آمن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
وقال الزمخشري :﴿كَذَالِكَ﴾ أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيماً لأمره. وقيل ﴿لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا﴾ مثل ذلك الستر الذي جعلنا لكم من الجبال والحصون والأبنية والأكنان من كل جنس، والثياب من كل صنف. وقال ابن عطية :﴿كَذَالِكَ﴾ معناه فعل معهم كفعله مع الأولين أهل المغرب، وأخبر بقوله ﴿كَذَالِكَ﴾ ثم أخبر تعالى عن إحاطته بجميع ما لدى ذي القرنين وما تصرّف فيه من أفعاله، ويحتمل أن يكون ﴿كَذَالِكَ﴾ استئناف قول ولا يكون راجعاً على الطائفة الأولى فتأمله، والأول أصوب. وإذا كان مستأنفاً لا تعلق له بما قبله فيحتاج إلى تقدير يتم به كلاماً.