﴿أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا * كَذَالِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا * قَالُوا يَـاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى الارْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * ءَاتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِا حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ا حَتَّى إِذَا جَعَلَه نَارًا قَالَ ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَـاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَـاعُوا لَه نَقْبًا * قَالَ هذا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَه دَكَّآءَا وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يومئذ يَمُوجُ فِى بَعْضٍا وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنَـاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يومئذ لِّلْكَـافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآءٍ عَن ذِكْرِى وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا * أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَآءَا إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـافِرِينَ نُزُلا * قُلْ هَلْ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
١٦٢
﴿سَبَبًا﴾ أي طريقاً أو مسيراً موصلاً إلى الشمال فإن ﴿السَّدَّيْنِ﴾ هناك. قال وهب : السدّان جبلان منيفان في السماء من ورائهما ومن أمامهما البلدان، وهما بمنقطع أرض الترك مما يلي أرمينية وأذربيجان. وذكر الهروي أنهما جبلان من وراء بلاد الترك. وقيل : هما جبلان من جهة الشمال لينان أملسان، يزلق عليهما كل شيء، وسمي الجبلان سدّين لأن كل واحد منهما سد فجاج الأرض وكانت بينهما فجوة كان يدخل منها يأجوج ومأجوج. وقرأ مجاهد وعكرمة والنخعي وحفص وابن كثير وأبو عمرو ﴿بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ بفتح السين. وقرأ باقي السبعة بضمها. قال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد. وقال الخليل وسيبويه : بالضم الاسم وبالفتح المصدر. وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلق الله لم يشارك فيه أحد فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فبالفتح. وقال ابن أبي إسحاق ما رأت عيناك فبالضم، وما لا يرى فبالفتح. وانتصب ﴿بَيْنَ﴾ على أنه مفعول به يبلغ كما ارتفع في ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ وانجر بالإضافة في ﴿هَـاذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ﴾ و﴿بَيْنَ﴾ من الظروف المتصرفة ما لم تركب مع أخرى مثلها، نحو قولهم همزة بين بين.
﴿مِن دُونِهِمَا﴾ من دون السدين و﴿قَوْمًا ﴾ يعني من البشر. وقال الزمخشري : هم الترك انتهى. وأبعد من ذهب إلى أنهم جان. قال الزمخشري : وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق، ونفي مقارنة فقههم ﴿قَوْلا﴾ وتضمن نفي فقههم. وقال الزمخشري : لا يكادون يفهمونه إلاّ بجهد ومشقة كأنه فهم من نفي يكاد أنه يقع منهم الفهم بعد عسر، وهو قول لبعضهم إن نفيها إثبات وإثباتها نفي، وليس بالمختار.
وقرأ الأعمش وابن أبي ليلى وخلف وابن عيسى الأصبهاني وحمزة والكسائي ﴿يَفْقَهُونَ﴾ بضم الياء وكسر القاف أي يفهمون السامع كلامهم، ولا يبينونه لأن لغتهم غريبة مجهولة. والضمير في ﴿قَالُوا ﴾ عائد على هؤلاء القوم شكوا ما يلقون من يأجوج ومأجوج إذ رجوا عنده ما ينفعهم لكونه ملك الأرض ودوخ الملوك وبلغ إليهم وهم لم يبلغ أرضهم ملك قبله، و﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ من ولد آدم قبيلتان. وقيل : هما من ولد يافث بن نوح. وقيل :﴿يَأْجُوجَ﴾ من الترك ﴿وَمَأْجُوجَ﴾ من الجيل والديلم. وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة منهم خرجت تغير، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب. وقال قتادة والسدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك وقد اختلف في عددهم وصفاتهم ولم يصح في ذلك شيء وهما ممنوعاً الصرف، فمن زعم أنهما أعجميان فللعجمة والعلمية، ومن زعم أنهما عربيان فللتأنيث والعلمية لأنهما اسما قبيلتين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦