وقال الأخفش : إن جعلنا ألفهما أصلية فيأجوج يفعول ومأجوج مفعول، كأنه من أجيج النار ومن لم يهمزهما جعلها زائدة فيأجوج منم يججت، ومأجوج من مججت. وقال قطرب في غير الهمز مأجوج فاعول من المج، ويأجوج فاعول من يج. وقال أبو الحسن عليّ بن عبد الصمد السخاوي أحد شيوخنا : الظاهر أنه عربي وأصله الهمز، وترك الهمز على التخفيف وهو إما من الأجّة وهو الاختلاف كما قال تعالى ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يومئذ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ﴾ أو من الأج وهو سرعة العدو، قال تعالى ﴿وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾ وقال الشاعر :
يؤج كما أج الظليم المنفر
أو من الأجة وهو شدة الحرّ، أو من أجّ الماء يئج أجوجاً إذا كان ملحاً مراً انتهى. وقرأ عاصم والأعمش ويعقوب في رواية بالهمزة وفي ﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ وكذا في الأنبياء وفي لغة بني أسد ذكره الفراء. قيل : ولا وجه له إلاّ اللغة الغربية المحكية عن العجاج أنه كان يهمز العألم والخأتم. وقرأ باقي السبعة بألف غير مهموزة وهي لغة كل العرب غير بني أسد. وقرأ العجاج ورؤبة ابنه : آجوج بهمزة بدل الياء. وإفسادهم
١٦٣
الظاهر تحقق الإفساد منهم لا توقعه لأنها شكت من ضررنا لها. وقال سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم. وقيل : هو الظلم والقتل ووجوه الإفساد المعلوم من البشر. وقيل : كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئاً أخضر إلاّ أكلوه، ولا يابساً إلاّ احتملوه، وروي أنه لا يموت أحد منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلٌّ قد حمل السلاح. ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ استدعاء منهم قبول ما يبذلونه مما يعينه على ما طلبوا على جهة حسب الأدب إذ سألوه ذلك كقول موسى للخضر ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن﴾. وقرأ الحسن والأعمش وطلحة وخلف وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي ومن السبعة حمزة والكسائي خراجاً بألف هنا، وفي حرفي قد أفلح وسكن ابن عامر الراء فيها. وقرأ باقي السبعة ﴿لَكَ خَرْجًا﴾ فيهما بسكون الراء فخراج بالألف والخرج والخراج بمعنى واحد كالنول والنوال، والمعنى جعلا تخرجه من أموالنا، وكل ما يستخرج من ضريبة وجزية وغلة فهو خراج وخرج. وقيل : الخرج المصدر أطلق على الخراج، والخراج الاسم لما يخرج. وقال ابن الأعرابي : الخرج على الرؤوس يقال : أدّ خرج رأسك، والخراج على الأرض. وقال ثعلب : الخرج أخص والخراج أعم. وقيل : الخرج المال يخرج مرة والخراج المجبي المتكرر عرضوا عليه أن يجمعوا له أموالاً يقيم بها أمر السد. وقال ابن عباس أجراً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ﴿وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ بضم السين وابن محيصن وحميد والزهري والأعمش وطلحة ويعقوب في رواية وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير وباقي السبعة بفتحها ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّى فِيهِ رَبِّى خَيْرٌ﴾ أي ما بسط الله لي من القدرة والملك خير من خرجكم ﴿فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ﴾ أي بما أتقوّى به من فعلة وصناع يحسنون العمل والبناء ؛ قاله مقاتل وبالآلات ؛ قال الكلبي ﴿رَدْمًا﴾ حاجزاً حصيناً موثقاً. وقرأ ابن كثير وحميد : ما مكنني بنونين متحركتين، وباقي السبعة بإدغام نون مكن في نون الوقاية.
ثم فسر الإعانة بالقوة فقال ﴿زُبَرَ الْحَدِيدِا حَتَّى ﴾ أي أعطوني. قال ابن عطية : إنما هو استدعاء مناولة لا استدعاء عطية وهبة لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخراج، فلم يبق إلاّ استدعاء المناولة انتهى. وقرأ الجمهور ﴿ءَاتُونِى﴾. وقرأ أبو بكر عن عاصم ائتوني أي جيئوني. وانتصب ﴿زُبَرَ﴾ بإيتوني على إسقاط حرف الجر أي جيئوني بزبر ﴿الْحَدِيدِ﴾. وقرأ الجمهور ﴿زُبَرَ﴾ بفتح الباء والحسن بضمها، وفي الكلام حذف تقديره فأتوه أو فآتوه بها فأمر برصّ بعضها فوق بعض ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى ﴾.
وقرأ الجمهور ﴿سَاوَى ﴾ وقتادة سوّى، وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم سُووي مبنياً للمفعول. وحكي في الكيفية أن ذا القرنين قاس ما بين الصدفين من حفر الأساس حتى بلغ الماء ثم جعل حشوه الصخر وطينه النحاس مذاب، ثم يصب عليه والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً. وقيل : طول ما بين السدين مائة فرسخ وعرضه خمسون. وفي الحديث أن رجلاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم به فقال :"كيف رأيته" ؟ فقال : كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال :"قد رأيته".