وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والزهري ومجاهد والحسن ﴿الصَّدَفَيْنِ﴾ بضم الصاد والدال، وأبو بكر وابن محيصن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن كذلك إلاّ أنه سكن الدال وباقي السبعة وأبو جعفر وشيبة وحميد وطلحة وابن أبي ليلى وجماعة عن يعقوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وابن سعدان بفتحهما، وابن جندب بالفتح وإسكان الدال، ورويت عن قتادة. وقرأ الماجشون بالفتح وضم الدال. وقرأ قتادة وأبان
١٦٤
عن عاصم بضم الصاد وفتح الدال ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَه نَارًا﴾ في الكلام حذف تقديره فنفخوا حتى. وقرأ الجمهور قال ﴿ءَاتُونِى﴾ أي أعطوني. وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة وأبو بكر بخلاف عنه قال : ائتوني أي جيئوني و﴿قِطْرًا﴾ منصوب بأفرغ على إعمال الثاني، ومفعول ﴿ءَاتُونِى﴾ محذوف لدلالة الثاني عليه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
﴿وَمَا اسْتَطَـاعُوا ﴾ أي يأجوج ومأجوج ﴿أَن يَظْهَرُوهُ﴾ أي يصلوا عليه لبعده وارتفاعه وامّلاسه، ولا أن ينقبوه لصلابته وثخانته فلا سبيل إلى مجاوزته إلى غيرهم من الأمم إلاّ بأحد هذين : إما ارتقاء وإما نقب وقد سلب قدرتهم على ذلك.
وقرأ الجمهور ﴿فَمَا اسْطَـاعُوا ﴾ بحذف التاء تخفيفاً لقربها من الطاء. وقرأ حمزة وطلحة بإدغامها في الطاء وهو إدغام على غير حده. وقال أبو عليّ هي غير جائزة. وقرأ الأعشى عن أبي بكر : فما اصطاعوا بالإبدال من السين صاداً لأجل الطاء. وقرأ الأعمش : فما استطاعوا بالتاء من غير حذف.
﴿قَالَ هذا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى ﴾ أي قال ذو القرنين والإشارة بهذا قال ابن عطية إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به. وقال الزمخشري : إشارة إلى السد أي ﴿هَـاذَا﴾ السد نعمة من الله و﴿رَحْمَةً﴾ على عباده أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته. قيل : وفي الكلام حذف وتقديره فلما أكمل بناء السد واستوى واستحكم ﴿قَالَ هذا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى ﴾.
وقرأ ابن أبي عبلة هذه رحمة من ربي بتأنيث اسم الإشارة. والوعد يحتمل أن يراد به يوم القيامة، وأن يراد به وقت خروج يأجوج ومأجوج. وقال الزمخشري : فإذا دنا مجيء يوم القيامة وشارف أن يأتي جعل السد دكاً أي مدكوكاً منبسطاً مستوياً بالأرض، وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقداندك انتهى. وقرأ الكوفيون :﴿دَكَّآءَ﴾ بالمدّ ممنوع الصرف وباقي السبعة دكاً منونة مصدر دككته، والظاهر أن ﴿جَعَلَهُ﴾ بمعنى صيره فدك مفعول ثان. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون جعل بمعنى خلق وينصب فدكاً على الحال انتهى. وهذا بعيد جداً لأن السد إذ ذاك موجود مخلوق ولا يخلق المخلوق لكنه ينتقل من بعض هيئاته إلى هيئة أخرى، ووعد بمعنى موعود قد سبق و﴿تَّرَكْنَا﴾ هذا الضمير لله تعالى والأظهر أن الضمير في ﴿بَعْضَهُمْ﴾ عائد على يأجوج ومأجوج، والجملة المحذوفة بعد إذ المعوض منها التنوين مقدرة بإذ جاء الوعد وهو خروجهم وانتشارهم في الأرض أو مقدرة بإذ حجز السد بينهم وبين القوم الذين كانوا يفسدون عندهم وهم متعجبون من السد فماج بعضهم في بعض.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
وقيل : الضمير في ﴿بَعْضَهُمْ﴾ يعود على الخلق أي يوم إذ جاء وعد الله وهو يوم القيامة ويقويه قوله ﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ﴾ فيظهر أن ذلك هو يوم القيامة، وكذلك ما جاء بعده من الجمع وعرض جهنم وتقدم الكلام على النفخ في الصور في سورة الأنعام. و﴿جَمْعًا﴾ مصدر كموعد ﴿وَعَرَضْنَا﴾ أي أبرزنا ﴿جَهَنَّمَ يَوْمَـاِذٍ﴾ أي يوم إذ جمعناهم. وقيل : اللام بمعنى على كقوله :
فخر صريعاً لليدين وللفم
وأبعد من ذهب إلى أنه مقلوب. والتقدير وعرضنا الكافرين على جهنم ﴿عَرْضًا﴾ وتخصيصه بالكافرين بشارة للمؤمنين. و﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ﴾ صفة ذم في ﴿غِطَآءٍ﴾ استعار الغطاء لأعينهم، والمراد أنهم لا يبصرون آياتي التي ينظر إليها فيعتبر بها، واذكر بالتعظيم وهذا على خذف مضاف أي من آيات ﴿ذِكْرِى﴾. وقيل ﴿عَن ذِكْرِى﴾ عن القرآن وتأمل معانيه، ويكون المراد بالأعين هنا البصائر لا الجوارح لأن الجوارح لا نسبة بينها وبين الذكر ﴿وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ مبالغة في انتفاء السمع إذ نفيت الاستطاعة، وهم وإن كانوا صماً لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به، وكان هؤلاء أصمت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع ﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ هم من عبد الملائكة وعزيراً والمسيح واتخذوهم أولياء من دون الله وهم بعض العرب واليهود والنصارى، وهو استفهام فيه معنى الإنكار والتوبيخ، والمعنى
١٦٥