أنهم ليس لهم من ولاية هؤلاء الذين تولوهم شيء، ولا يجدون عندهم منتفعاً ويظهر أن في الكلام حذفاً والتقدير ﴿أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَآءَ﴾ فيجدي ذلك وينتفعون بذلك الاتخاذ. وقيل : العباد هنا الشياطين. روي عن ابن عباس وقال مقاتل : الأصنام لأنها خلقه وملكه، والأظهر تفسير العباد بما قلناه لإضافتهم إليه والأكثر أن تكون الإضافة في مثل هذا اللفظ إضافة تشريف. وحسب هنا بمعنى ظن وبه قرأ عبد الله أفظن. وقرأ عليّ بن أبي طالب وزيد بن علي بن الحسين ويحيى بن يعمر ومجاهد وعكرمة وقتادة ونعيم بن ميسرة والضحاك وابن أبي ليلى وابن كثير ويعقوب بخلاف عنهما وابن محيصن وأبو حيوة والشافعي ومسعود بن صاح
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
﴿أَفَحَسِبَ﴾ بإسكان السين وضم الباء مضافاً إلى ﴿الَّذِينَ﴾ أي أفكافيهم ومحسبهم ومنتهى عرضهم، والمعنى أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا. وقال أبو الفضل الرازي قال سهل : يعني أبا حاتم معناه : أفحسبهم وحظهم إلاّ أن ﴿أَفَحَسِبَ﴾ أبلغ في الذم لأنه جعله غاية مرادهم انتهى. وارتفع حسب على الابتداء والخبر ﴿أَن يَتَّخِذُوا ﴾. وقال الزمخشري : أو على الفعل والفاعل لأن اسم الفاعل إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل كقولك : أقائم الزيدان وهي قراءة محكمة جيدة انتهى. والذي يظهر أن هذا الإعراب لا يجوز لأن حسباً ليس باسم فاعل فتعمل، ولا يلزم من تفسيره شيء بشيء أن تجري عليه جميع أحكامه، وقد ذكر سيبويه أشياء من الصفات التي تجري مجرى الأسماء وأن الوجه فيها الرفع. ثم قال : وذلك مررت برجل خير منه أبوه، ومررت برجل سواء عليه الخير والشر، ومررت برجل أب له صاحبه، ومررت برجل حسبك من رجل، ومررت برجل أيما رجل هو انتهى. ولا يبعد أن يرفع به الظاهر فقد أجازوا في مررت برجل أبي عشرة أبو ارتفاع أبوه بأبي عشرة لأنه في معنى والد عشرة.
﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا﴾ أي أعددنا ويسرنا والنزل موضع النزول والنزل أيضاً ما يقدم للضيف ويهيأ له وللقادم من الطعام، والنزل هنا يحتمل التفسيرنن وكونه موضع النزول قاله الزجاج هنا، وما هيىء من الطعام للنزيل قول القتبي. وقيل : جمع نازل ونصبه على الحال نحو شارف وشرف، فإن كان ما تقدم للضيف وللقادم فيكون كقوله :﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. وكقول الشاعر :
تحية بينهم ضرب وجيع
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
وقرأ أبو حيوة وأبو عمرو بخلاف عنه ﴿نُزُلا﴾ بسكون الزاي ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاخْسَرِينَ أَعْمَـالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُوالَئاِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ وَلِقَآاِهِا فَحَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَزْنًا * ذَالِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا ءَايَـاتِى وَرُسُلِى هُزُوًا﴾. أي ﴿قُلِ﴾ يا محمد للكافرين هل نخبركم الآية فإذا طلبوا ذلك فقل لهم ﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ والأخسرون أعمالاً عن عليّ هم الرهبان كقوله ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾. وعن مجاهد : هم أهل الكتاب. وقيل : هم الصابئون. وسأل ابن الكواء علياً عنهم فقال : منهم أهل حروراء. وينبغي حمل هذه الأقوال على
١٦٦
التمثيل على الحصر إذ الأخسرون أعمالاً هم كل من دان بدين غير الإسلام، أو راءى بعمله، أو أقام على بدعة تؤول به إلى الكفر والأخسر من أتعب نفسه فأدى تعبه به إلى النار. وانتصب ﴿أَعْمَـالا﴾ على التمييز وجمع لأن أعمالهم في الضلال مختلفة وليسوا مشتركين في عمل واحد و﴿الَّذِينَ﴾ يصح رفعه على أنه خبر مبتدإِ محذوف، أي هم ﴿الَّذِينَ﴾ وكأنه جواب عن سؤال، ويجوز نصبه على الذمّ وخبره على الوصف أو البدل ﴿ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ أي هلك وبطل وذهب و﴿يَحْسَبُونَ﴾ و﴿يُحْسِنُونَ﴾ من تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فرقاً بين الكلمتين. ومنه قول أبي عبادة البحتري :
ولم يكن المغتر بالله إذ سرىليعجز والمعتز بالله طالبه
ومن غريب هذا النوع من التجنيس. قال الشاعر :
سقينني ربي وغنيننيبحت بحبي حين بنّ الخرد
صحف بقوله سقيتني ربي وغنيتني بحب يحيى بن الجرد.
وقرأ ابن عباس وأبو السمال ﴿فَحَبِطَتْ﴾ بفتح الباء والجمهور بكسرها. وقرأ الجمهور ﴿فَلا نُقِيمُ﴾ بالنون ﴿وَزْنًا﴾ بالنصب ومجاهد وعبيد بن عمير فلا يقيم بالياء لتقدم قوله ﴿ بآيات رَبِّهِمْ﴾ وعن عبيد أيضاً يقوم بفتح الياء كأنه جعل قام متعدياً. وعن مجاهد وابن محيصن ويعقوب بخلاف عنهم : فلا يقوم مضارع قام وزن مرفوع به. واحتمل قوله ﴿فَلا نُقِيمُ﴾ إلاّ به أنهم لا حسنة لهم توزن في موازين القيامة، ومن لا حسنة له فهو في النار. واحتمل أن يريد المجاز كأنه قال : فلا قدر لهم عندنا يومئذ.