وعن أبي حيوة كذلك إلاّ أنه بالياء من تحت، وعنه تسقط بالتاء من فوق مفتوحة وضم القاف، وعنه كذلك إلاّ أنه بالياء من تحت، وقال بعضهم في قراءة أبي حيوة هذه أنه قرأ رطب جني بالرفع على الفاعلية، وأما النصب فإن قرأ بفعل متعد نصبه على المفعول أو بفعل لازم فنصبه على التمييز، ومن قرأ بالياء من تحت فالفعل مسند إلى الجذع، ومن قرأ بالتاء فمسند إلى النخلة، ويجوز أن يكون مسنداً إلى الجذع على حدّ ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ وفي قراءة من قرأ يلتقطه بالتاء من فوق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
وأجاز المبرد في قوله ﴿رُطَبًا﴾ أن يكون منصوباً بقوله أي ﴿وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ رطباً تساقط عليك، فعلى هذا الذي أجازه تكون المسألة من باب الإعمال فيكون قد حذف معمول ﴿تُسَـاقِطْ﴾ فمن قرأه بالياء من تحت فظاهر، ومن قرأ بالتاء من فوق فإن كان الفعل متعدياً جاز أن يكون من باب الإعمال، وإن كان لازماً فلا لاختلاف متعلق هزي إذ ذاك والفعل اللازم.
وقرأ طلحة بن سليمان ﴿جَنِيًّا﴾ بكسر الجيم إتباعاً لحركة النون والرزق فإن كان مفروغاً منه فقد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه، ولذلك أمرت مريم بهز الجذع وعلى هذا جاءت الشريعة وليس ذلك بمناف للتوكل.
وعن ابن زيد قال عيسى لها لا تحزني، فقالت : كيف لا أحزن وأنت معي لا ذات زوج ولا مملوكة أي شيء عذري عند الناس ؟ ﴿قَالَتْ يَـالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَـاذَا﴾ الآية فقال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام ﴿فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا ﴾. قال الزمخشري : أي جمعنا لك في السري والرطب فائدتين إحداهما الأكل والشرب، والثانية سلوة الصدر لكونهما معجزتين وهو معنى قوله ﴿فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْنًا ﴾ أي وطيبي نفساً ولا تغتمي وارفضي عنك ما أحزنك وأهمك انتهى. ولما كانت العادة تقديم الأكل على الشرب تقدم في الآية والمجاورة قوله ﴿تُسَـاقِطْ﴾ عليك رطباً جنياً} ولما كان المحزون قد يأكل ويشرب قال : ولما كان المحزون قد يأكل ويشرب قال :﴿وَقَرِّى عَيْنًا ﴾ أي لا تحزني، ثم ألقى إليها ما تقول إن رأت أحداً. وقرىء ﴿وَقَرِّى﴾ بكسر القاف وهي لغة نجدية وتقدم ذكرها.
وقرأ أبو عمرو في ما روي عنه ابن رومي ترئن بالإبدال من الياء همزة وروى عنه لترؤن بالهمز أيضاً بدل الواو. قال ابن خالويه : وهو عند أكثر النحويين لحن. وقال الزمخشري : وهذا من لغة من يقول لتأت بالحج أصلهاوحلأت السويق وذلك لتأخ بين الهمزة وحروف اللين في الإبدال انتهى. وقرأ طلحة وأبو جعفر وشيبة ﴿تَرَيِنَّ﴾ بسكون الياء وفتح النون خفيفة. قال ابن جنيّ : وهي شاذة يعني لأنه لم يؤثر الجازم فيحذف النون. كما قال الأفوه الأودي :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
أما ترى رأسي أزرى بهمأس زمان ذي انتكاس مؤوس
والآمر لها بالأكل والشرب وذلك القول الظاهر أنه ولدها. وقيل جبريل على الخلاف الذي سبق، والظاهر أنه أبيح لها أن تقول ما أُمَرِت بقوله وهو قول الجمهور. وقالت فرقة : معنى ﴿فَقُولِى ﴾ أي بالإشارة لا بالكلام وإلاّ فكان التناقض ينافي قولها انتهى. ولا تناقض لأن المعنى ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ بعد ﴿قَوْلِي﴾ هذا وبين الشرط وجزائه جملة محذوفة يد عليه المعنى، أي ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ وسألك أو حاورك الكلام ﴿فَقُولِى ﴾.
وقرأ زيد بن عليّ صياماً وفسر ﴿صَوْمًا﴾ بالإمساك عن الكلام. وفي مصحف عبد الله صمتاً. وعن أنس بن مالك مثله. وقال السدّي وابن زيد : كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام انتهى. والصمت منهي عنه ولا يصح نذره. وفي الحديث :"مره فليتكلم". وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق وأمرت بنذر الصوم لأن عيسى بما يظهر الله عليه يكفيها أمر الاحتجاج ومجادلة السفهاء. وقوله ﴿إِنسِيًّا﴾ لأنها كانت تكلم الملائكة دون الإنس.
١٨٥
﴿فَأَتَتْ بِهِا قَوْمَهَا تَحْمِلُهُا قَالُوا يَـامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْـاًا فَرِيًّا * يَـا أُخْتَ هَـارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِا قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَـانِىَ الْكِتَـابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا * وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَـانِى بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرَّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَـامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.


الصفحة التالية
Icon