الإشارة بذلك إلى المولود الذي ولدته مريم المتصف بتلك الأوصاف الجميلة، و﴿ذَالِكَ﴾ مبتدأ و﴿عِيسَى﴾ خبره و﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾ صفة لعيسى أو خبر بعد خبر أو بدل، والمقصود ثبوت بنوّته من مريم خاصة من غير أب فليس بابن له كما يزعم النصارى ولا لغير رشدة كما يزعم اليهود. وقرأ زيد بن عليّ وابن عامر وعاصم وحمزة وابن أبي إسحاق والحسن ويعقوب ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ بنصب اللام، وانتصابه على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي هذه الأخبار عن ﴿عِيسَى﴾ أنه ﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾ ثابت صدق ليس منسوباً لغيرها، أي إنها ولدته من غير مس بشر كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل، أي أقول ﴿الْحَقِّ﴾ وأقول قول ﴿الْحَقِّ﴾ فيكون ﴿الْحَقِّ﴾ هنا الصدق وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أي القول ﴿الْحَقِّ﴾ كما قال ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ﴾ أي الوعد الصدق وإن عنى به الله تعالى كان القول مراداً به الكلمة كما قالوا كلمة الله كان انتصابه على المدح وعلى هذا تكون الذي صفة للقول، وعلى الوجه الأول تكون ﴿الَّذِى﴾ صفة للحق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٨
وقرأ الجمهور ﴿قَوْلَ﴾ برفع اللام. وقرأ ابن مسعود والأعمش قال بألف ورفع اللام. وقرأ الحسن ﴿قَوْلَ﴾ بضم القاف ورفع اللام وهي مصادر كالرهب والرهب والرهب وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو أي نسبته إلى أمه فقط ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ فتتفق إذ ذاك قراءة النصب وقراءة الرفع في المعنى.
وقال الزمخشري : وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو بدل انتهى. وهذا الذي ذكر لا يكون إلاّ على المجاز في قول وهو أن يراد به كلمة الله لأن اللفظ لا يكون الذات. وقرأ طلحة والأعمش في رواية زائدة قال : بألف جعله فعلاً ماضياً ﴿الْحَقِّ﴾ برفع القاف على الفاعلية، والمعنى قال الحق وهو الله ﴿ذَالِكَ﴾ الناطق الموصوف بتلك الأوصاف هو ﴿عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ و﴿الَّذِى﴾ على هذا خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي. وقرأ عليّ كرم الله وجهه والسلمي وداود بن أبي هند ونافع في رواية والكسائي في رواية ﴿تَمْتَرُونَ﴾ بتاء الخطاب والجمهور بياء الغيبة، وامترى افتعل إما من المرية وهي الشك، وإما من المراء وهو المجادلة والملاحاة، وكلاهما مقول هنا قالت اليهود ساحر كذاب، وقالت النصارى ابن الله وثالثها ثلاثة وهو الله ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ﴾ هذا تكذيب للنصارى في دعواهم أنه ابن الله، وإذا استحالت البنوة فاستحالة الإلهية مستقلة أو بالتثليث أبلغ في الاستحالة، وهذا التركيب معناه الانتفاء فتارة يدل من جهة المعنى على الزجر ﴿مَا كَانَ لاهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الاعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ﴾ وتارة على التعجيز ﴿مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنابِتُوا شَجَرَهَآ﴾ وتارة على التنزيه كهذه الآية، ولذلك أعقب هذا النفي بقوله ﴿سُبْحَـانَهُا ﴾ أي تنزه عن الولد إذ هو مما لا يتأتى ولا يتصور في المعقول ولا تتعلق به القدرة لاستجالته، إذ هو تعالى متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أو جده فهو منزه عن التوالد. وتقدم الكلام على الجملة من قوله ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾.
وقرأ الجمهور ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾ بكسر الهمزة على الاستئناف. وقرأ أبي بالكسر دون واو، وقرأ الحرميان وأبو عمرو ﴿وَإِنَّ﴾ بالواو وفتح الهمزة، وخرجه ابن عطية على أن يكون معطوفاً على
١٨٩
قوله هذا ﴿قَوْلَ الْحَقِّ﴾ ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّى﴾ كذلك. وخرجه الزمخشري على أن معناه ولأنه ربي وربكم فاعبدوه كقوله ﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ انتهى. وهذا قول الخليل وسيبويه وفي حرف أبي أيضاً، وبأن ﴿اللَّهِ﴾ بالواو وباء الجر أي بسبب ذلك فاعبدوه. وأجاز الفراء في ﴿وَإِنَّ﴾ يكون في موضع خفض معطوفاً على والزكاة، أي ﴿وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ﴾ وبأن الله ربي وربكم انتهى. وهذا في غاية البعد للفصل الكثير، وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بمعنى الأمر ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٨