وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء أن يكون المعنى، وقضى ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ﴾ فهي معطوفة على قوله ﴿امْرَأَ﴾ من قوله ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ والمعنى ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ وقضى ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ انتهى. وهذا تخبيط في الإعراب لأنه إذا كان معطوفاً على ﴿امْرَأَ﴾ كان في حيز الشرط، وكونه تعالى ربنا لا يتقيد بالشرط وهذا يبعد أن يكون قاله أبو عمرو بن العلاء فإنه من الجلالة في علم النحو بالمكان الذي قل أن يوازنه أحد مع كونه عربياً، ولعل ذلك من فهم أبي عبيدة فإنه يضعف في النحو والخطاب في قول ﴿وَرَبُّكُمْ﴾ قيل لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلّم من اليهود والنصارى أمر الله تعالى أن يقول لهم ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ أي قل لهم يا محمد هذا الكلام. وقيل : الخطاب للذين خاطبهم عيسى بقوله ﴿إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ﴾ الآية وإن الله معطوف على الكتاب، وقد قال وهب عهد عيسى إليهم ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ﴾ ومن كسر الهمزة عطف على قوله ﴿إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ﴾ فيكون محكياً. يقال : وعلى هذا القول يكون قوله ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ حمل اعتراض أخبر الله تعالى بها رسوله عليه السلام.
والإشارة بقوله ﴿هَـاذَا﴾ أي القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة، هو الطريق المستقيم الذي يفضي بقائله ومعتقده إلى النجاة ﴿فَاخْتَلَفَ الاحْزَابُ مِنا بَيْنِهِمْ﴾ هذا إخبار من الله للرسول بتفرق بني إسرائيل فرقاً، ومعنى ﴿مِنا بَيْنِهِمْ﴾ أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين لم يقع الاختلاف سببه غيرهم. و﴿الاحْزَابُ﴾ قال الكلبي : اليهود والنصارى. وقال الحسن : الذين تحزبوا على الانبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس انتهى. فالضمير في ﴿بَيْنِهِمْ﴾ على هذا ليس عائداً على ﴿الاحْزَابُ﴾. وقيل :﴿الاحْزَابُ﴾ هنا المسلمون واليهود والنصارى. وقيل : هم النصارى فقط.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٨
وعن قتادة إن بني إسرائيل جمعوا أربعة من أحبارهم. فقال أحدهم : عيسى هو الله نزل إلى الأرض وأحيا من أحيا وأمات من أمات، فكذبه الثلاثة واتبعته اليعقوبية. ثم قال أحد الثلاثة : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعته النسطورية، وقال أحد الاثنين : عيسى أحد ثلاثة الله إله، ومريم إله، وعيسى إله فكذبه الرابع وأتبعته الإسرائيلية. وقال الرابع : عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فاتبعته فرقة من بني إسرائيل ثم اقتتل الأربعة، فغلب المؤمنون وظهرت اليعقوبية على الجميع فروي أن في ذلك نزلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاَايَـاتِ اللَّهِ﴾ آية آل عمران، والأربعة يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل.
وبين هنا أصله ظرف استعمل اسماً بدخول ﴿مِنْ﴾ عليه. وقيل :﴿مِنْ﴾ زائدة. وقيل البين هنا البعد أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحق. و﴿مَّشْهَدِ﴾ مفعل من الشهود وهو الحضور أو من الشهادة ويكون مصدراً ومكاناً وزماناً، فمن الشهود يجوز أن يكون المعنى من شهود هول الحساب والجزاء في يوم القيامة، وإن يكون من مكان الشهود فيه وهو الموقف، وأن يكون من وقت الشهود ومن الشهادة، يجوز أن يكون المعنى من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر، وأن يكون من مكان الشهادة، وأن يكون من وقت الشهادة واليوم العظيم على هذه الاحتمالات يوم القيامة. وعن قتادة : هو يوم قتل المؤمنين حين اختلف
١٩٠
الأحزاب وقيل ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه يوم اختلافهم، وتقدم الكلام على التعجب الوارد من الله في قوله تعالى ﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ وأنه لا يوصف بالتعجب.
قال الحسن وقتادة : لئن كانوا صماً وبكماً عن الحق فما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، ولكنهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم السمع ولا البصر. وعن ابن عباس أنهم أسمع شيء وأبصره. وقال علي بن عيسى : هو وعيد وتهديد أي سوف يسمعون ما يخلع قلوبهم، ويبصرون ما يسود وجوههم. وعن أبي العالية : إنه أمر حقيقة للرسول أي ﴿أَسْمِعْ﴾ الناس اليوم وأبصرهم ﴿بِهِمْ﴾ وبحديثهم ماذا يصنع بهم من العذاب إذا أتوا محشورين مغلولين ﴿لَـاكِنِ الظَّـالِمُونَ﴾ عموم يندرج فيه هؤلاء الأحزاب الكفارة وغيرهم من الظالمين، و﴿الْيَوْمَ﴾ أي في دار الدنيا. وقال الزمخشري : أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير إشعاراً بأن لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ويسعدهم، والمراد بالضلال المبين إغفال النظر والاستماع انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٨


الصفحة التالية
Icon