وقال الزمخشري : ولقائل أن يقول الذي يمنع من الاستغفار للكافر إنما هو السمع، فأما القضية العقلية فلا تأباه، فيجوز أن يكون الوعد بالاستغفار والوفاء به قبل ورود السمع بناء على قضية العقل، والذي يدل على صحته قوله تعالى ﴿إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لابِيهِ لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ فلو كان شارطاً للإيمان لم يكن مستنكراً ومستثنى عما وجبت فيه الأسرة. وقول من قال إنما استغفر له لأنه وعده أن يؤمن من مستدلاً بقوله ﴿إِلا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ﴾ فجعل الواعد آزر والموعود إبراهيم عليه السلام ليس بجيد لاعتقابه في هذه الآية الوعد بالاستغفار بعد ذلك القول الجافي من قوله ﴿لَـاِن لَّمْ تَنتَهِ﴾ الآية. فكيف يكون وعده بالإيمان ؟ ولأن الواعد هو إبراهيم ويدل عليه قراءة حماد الراوية وعدها إياه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
والحفي المكرم المحتفل الكثير البر والألطاف، وتقدم شرحه لغة في قوله ﴿كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا ﴾. وقال ابن عباس : رحيماً. وقال الكلبي : حليماً. وقال القتبي : باراً. وقال السدي : حفيك من يهمه أمرك، ولما كان في قوله ﴿لارْجُمَنَّكَ﴾ فظاظة وقساوة قلب قابله بالدعاء له بالسلام والأمن ووعده بالاستغفار قضاء لحق الأبوة، وإن كان قد صدر منه إغلاظ. ولما أمره بهجره الزمان الطويل أخبره بأنه يتمثل أمره ويعتزله وقومه ومعبوداتهم، فهاجر إلى الشام قيل أو إلى حران وكانوا بأرض كوثاء، وفي هجرته هذه تزوج سارة ولقي الجبار الذي أخدم سارة هاجر، والأظهر أن قوله ﴿وَأَدْعُوا رَبِّى﴾ معناه وأعبد ربي كما جاء في الحديث :"الدعاء العبادة" لقوله ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ ويجوز أن يراد الدعاء الذي حكاه الله في سورة الشعراء ﴿رَبِّ هَبْ لِى حُكْمًا﴾ إلى آخره، وعرض بشقاوتهم بدعاء آلهتهم في قوله ﴿عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا﴾ مع التواضع لله في كلمة ﴿عَسَى ﴾ وما فيه من هضم النفس. وفي ﴿عَسَى ﴾ ترج في ضمنه خوف شديد، ولما فارق الكفار وأرضهم أبدله منهم أولاداً أنبياء، والأرض المقدّسة فكان فيها ويتردد إلى مكة فولد له إسحاق وابنه يعقوب تسلية له وشدّاً لعضده، وإسحاق أصغر من إسماعيل، ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت سارة ثم حملت بإسحاق.
وقوله ﴿مِن رَّحْمَتِنَآ﴾ قال الحسن : هي النبوة. وقال الكلبي : المال والولد، والأحسن أن يكون الخير الديني والدنيوي من العلم والمنزلة والشرف في الدنيا والنعيم في الآخرة. ولسان الصدق : الثناء الحسن الباقي عليهم آخر الإبد قاله ابن عباس، وعبر باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهي العطية. واللسان في كلام العرب الرسالة الرائعة كانت في خير أو شر. قال الشاعر :
إني أتتني لسان لا أسر بها
وقال آخر :
ندمت على لسان كان مني
ولسان العرب لغتهم وكلامهم. استجاب الله دعوته ﴿وَاجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ﴾ في الآخرين فصيره قدوة حتى عظمه أهل الأديان كلهم وادعوه. وقال تعالى ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ و﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ وأعطى ذلك ذريته فأعلى ذكرهم وأثنى عليهم، كما أعلى ذكرهم وأثنى عليهم كما أعلى ذكره وأثنى عليه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
جثا : قعد على ركبتيه، وهي قعدة الخائف الذليل يجثو ويجثي جثواً وجثاية. حتم الأمر : أوجبه. الندى والنادي : المجلس الذي يجتمع فيه لحادثة أو مشورة. وقيل : مجلس أهل الندى وهو الكرم. وقيل : المجلس فيه الجماعة. قال حاتم :
فدعيت في أولى الندىولم ينظر إليّ بأعين خزر
الري : مصدر رويت من الماء، واسم مفعول أي مروي قاله أبو علي. الزي : محاسن مجموعة من الزي وهو الجمع. كلا : حرف ردع وزجر عند الخليل وسيبويه والأخفش والمبرد وعامة البصريين، وذهب الكسائي ونصر بن يوسف وابن واصل وابن الأنباري إلى أنها بمعنى حقاً، وذهب النضر بن شميل إلى أنها حرف تصديق بمعنى نعم، وقد تستعمل مع القسم. وذهب عبد الله بن محمد الباهلي إلى أن كلا رد لما قبلها فيجوز الوقف عليها وما بعدها استئناف، وتكون أيضاً صلة للكلام بمنزلة إي والكلام على هذه المذاهب مذكور في النحو. الضد : العون يقال : من أضداد أي أعوانكم، وكان العون سمي ضداً لأنه يضاد عدوك وينافيه بإعانته لك عليه : الأز والهز والاستفزاز أخوات، ومعناها التهييج وشدة الإزعاج، ومنه أزيز المرجل وهو غليانه وحركته. وفد يفد وفداً ووفوداً ووفادة : قدم على سبيل التكرمة، الأدّ والإدّ : بفتح الهمزة وكسرها العجب. وقيل : العظيم المنكر والأدّة الشدة، وأدنيّ الأمر وآدني أثقلني وعظم علي أدّاً. الهد : قال الجوهري هدّاً
١٩٧


الصفحة التالية
Icon